تحدثنا كثيرا عن طابور المرجفين، وسنكون واهمين لو ظننا أن القضاء عليهم ممكن في يوم، بل هم خالدون ما بقي الانسان، وصراعنا معهم سيمتد ما بقينا على كل مستوى. قد نجد انفسنا أحيانا منهم في ظرف ما في مواجهة فكرة ما، هذا طبع في صلب الإنسان حين لا ينتمي لقضية من حوله، فيغلف نفوره بتمييع القضية وإعادة تعريفها.
ربما هذا الجيل المشبع بمحاضرات وكتب التنمية البشرية وتطوير الذات، كان اكثر ما يخيف في هذا الجانب، بتدمير الشخصية المنتمية واغراقها في متاهة إعادة تعريف النجاح وافراغه من حس المجتمع.
تأثر الكثير منا بمستوى أو بآخر بهذا الانفلات في مجتمعات منهارة سادت فيها قيم الانتهازية والخداع واختطاف الفرص، فكان أن ارتد الكثير من اصحاب الضمائر إلى كهوفهم الذاتية، فانتموا للعدمية والسوداوية في مجتمع لا يشبه مشروعهم وأمام مستقبل يسيطر على تفاصيله العدو وطفيلياته، فأي اشتراكية تطمح بها والتنظيمات الثورية اصبحت مكاتب لمنظمات الإن جي او، وأي أمل في الملاط الاخير لشد أواصر الامة، الدين، بعد ان احتكرته وحوش البوادي، وأي مروءة وأي كرامة وقد صارت ابتذال الأرذال.
ثم كان هذا الألف المبارك، يخرج من سجنه الكبير، يمزق عتمة العدم، يجفف المستنقع، ويفتت بيت العنكبوت، ينفخ الروح في الانسان ويوقد الجمر في الرماد البارد. فتنهض أمة تتلمس ذاتها المفككة، تشم أريجا يتضوع بين أعاصير الطوفان، تمسك برقا يلمع من دم ساخن، وتتذوق قيما كانت تعدها من اساطير الغابرين.
هذا الدم هو الأصل، هو ما تكتب به القضية، على الردم، ويوقد البأس في يد المقاتلين، ما تخافه الخفافيش مدمنة الظلام، البعوض المستوطن في المستنقعات، الذباب العبد للعنكبوت.
هؤلاء من يخشون نصر شعبنا، من يرعبهم انتصار هذا الدم المقبل، انهم ليسوا فريق مرجفين وحسب، انهم انظمة وكيانات توارثت امتصاص الشعوب، وحكمها بإغراقها في وحول القيعان، حتى ما عادت تؤمن الا بظلالها المتراقصة على كهف أفلاطون، وجل انتصاراتها هي على اشباهها سكان المستنقع، من ذباب وبعوض ويعاسيب في هرم غذائي تعلوه الضفادع والجرذان والعظايات.
هؤلاء لا يرون في الحياة إلا دورة مرهونة بلزوجة الفخ وديمومته.
دم شعبنا يعلو إلى خلوده بمشروعه التحرري، المشروع الذي ايقظ الإنسانية في كل مكان في هذا العالم، هذا المشروع الذي يحاصر المستنقع المظلم ويخيف هوامه.
حربنا ستزداد شراسة كلما صمد شعبنا، وهؤلاء الذين يدركون مصيرهم بانتصار غزة الشموس والشموخ سيذهبون في كشف اقنعتهم اكثر.
هذا النصر المشرف، يستحق منا أن نندفع فيه بكل طاقاتنا، وان نتذوق حلاوة الاستشهاد في سبيل ابقاء شعلته متقدة، فنخلد في طبقات المجد، بالنور الذي تركته افعالنا في الشعب والوطن.