[ملاحظة: تجدون أدناه نص محاضرة الباحث والمناضل الأستاذ أحمد السعدي في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية في 26/6/2010، وهي توثق لصيرورة التقهقر والانحدار في منظمة التحرير الفلسطينية من مشروع التحرير الكامل وعروبة فلسطين إلى مشروع التعايش مع المحتلين والدويلة الفلسطينية. وإذ نمرر هذه المحاضرة المهمة، فإننا نؤكد أن تشريح مقولة الدويلة الفلسطينية لا يأتي هنا في سياق الترويج لمشروع تسووي تعايشي أكثر خطورة هو مشروع “الدولة الواحدة”، بمسمياتها المختلفة، بل من أجل دحض كل مشاريع التسوية والتعايش مع العدو الصهيوني، ومن أجل التأكيد على ثوابت الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل وعلى رأسها عروبة كامل فلسطين، وتحريرها من اليهود بالكفاح المسلح طريقاً أوحد. – اللجنة الإعلامية في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية].
في اي حديث عن القضية الفلسطينية يجدر أن نتذكر ونؤكد على حقائق القضية الفلسطينية، حيث تم تشويه أو اغفال هذه الحقائق، فلنذكر ثلاث حقائق للقضية الفلسطينية، ونرى كيف يتم القفز عنها اعلاميا؟
1 – هناك هجمة غربية للهيمنة على الوطن العربي: جناحاها: التجزئة، كما عبرت عنها – اتفاقية سايكس بيكو، – اقامة قاعدة عسكرية تثبت التجزئة وتهدد الأمن العربي على شكل دولة، فكانت (اسرائيل) وليدة الحركة الصهيونية.
وتختلف (اسرائيل) عن أي استعمار او استيطان بكون الدول الغربية تتكامل جهودها في هذا المجال بينما كانت تتصارع في المناطق الأخرى أحيانا وتتقاسم النفوذ أحيانا أخرى.
ويوضح موقف الدول الغربية ما ورد في مذكرة لبلفور صاحب التصريح سيء الذكر.. يقول فيها “سواء كانت الصهيونية خيرا أو شرا على حق أو باطل فالحلفاء سيؤيدونها” والحلفاء هم حلفاء الحرب العالمية الأولى، انكلترا، فرنسا، ايطاليا والولايات المتحدة.. وهذا القول نراه ساريا حتى يومنا هذا.
2 – اقامة الكيان الصهيوني موجه ضد الأمة العربية، والتعامل مع الكيان الصهيوني كان عربيا وشاملا وليس فلسطينيا.
– فالمقاومة الشعبية العربية في فلسطين كانت في قياداتها وعناصرها عربية إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ليس فقط نصرا للشقيق بل دفاعا عن الأمة، وأرض فلسطين تزخر بالشهداء العرب قادة وجنودا.
– محطات مسيرة القضية كانت بقرارات الحكومات العربية حربا وسلما، هدنات ومبادرات، مواقف سلبية أو ايجابية.
3 – حقائق القضية هذه بدأ العبث بها، ولتثبيت الاحتلال للارض، يجري العمل على الاحتلال للعقول والأفكار. وكانت هنالك سياسات واجراءات واعلام في هذا الاتجاه تضليلا وانحرافا عن حقائق القضية، ومن شعارات التضليل، شعار الدولة الفلسطينية.. والقرار الفلسطيني المستقل والصراع الاسرائيلي الفلسطيني والقيادات الشرعية المنتخبة والحروب تنتهي باتفاقيات، والوحدة الوطنية تغطية وسكوتا عن الفئات المنحرفة وعن القرارات التنازلية ان لم يكن جر الآخرين لها، ثم التضليل حتى في حدود فلسطين، فترفع شعارات.. فلسطين من رفح إلى جنين.
فتحذف من أفكار وذاكرة الجيل الجديد معرفة مدن فلسطين وقراها المحتلة يافا وحيفا وعكا وبئر السبع وصفد والناصرة وغيرها من المدن والقرى.
ولا ننسى أن من مرادفات التضليل اعتبار 1/1/1965 بداية الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح ليتم تجاهل ثلاثين سنة سبقتها من الكفاح الفلسطيني في ظل الانتداب البريطاني حيث لم يكاد يسلم بيت فلسطيني من اعتقال أو شهيد، فكانت القوات البريطانية هي التي تواجه الثورات الفلسطينية.
ان مناقشة شعار الدولة الفلسطينية يوضح التعليل الرئيسي، وهو الشعار الذي يحول قضية الاحتلال الى قضية الخلاف مع (اسرائيل) على حدود هذه الدولة.. ومن يحق له الاقامة فيها من اللاجئين.. وطبيعة دورها.. وحجم الاستيطان فيها وموقع القدس منها.. وما يسمى قضايا الحل الدائم بما فيها المياه الجوفية، فهذه القضايا ليس فيها ثابت، فهي قضايا للتفاوض، والتفاوض حولها مستمر منذ أوسلو 1993 قبل سبعة عشرة سنة.
فلسطين وطن عربي محتل وكل الحركات والمنظمات الفلسطينية كان شعارها وهدفها تحرير فلسطين.. بل قام معظمها وبشكل رئيسي محورها في منظمة التحرير الفلسطينية حركة فتح ولم تكن الضفة الغربية وقطاع غزة محتلين.. بل كان شعار هذه المنظمات تحرير فلسطين وبالكفاح المسلح وحده.. وكانت حركة فتح تضيف إلى ذلك حين يطلب منها اللقاء والتنسيق مع أي منظمة فلسطينية “الحوار واللقاء على أرض المعركة”.. فكيف تحول هدف التحرير إلى اقامة دولة وبالتفاوض مع العدو المحتل على جزء محتل عام 1967، وهو الضفة التي احتلت وهي جزء من المملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة الذي احتل وهو تحت اشراف ومسؤولية الحكومة المصرية.
فلنتابع كيف تحول هدف التحرير إلى هدف الدولة.. وأصبح هدف الدولة بديلا أو تآمرا أو تجاهلا وتجهيلا بهدف التحرير كأي أرض محتلة في العالم.
هذا التحول أو الانقلاب على هدف التحرير يمكن لتفهمه تتبع فكرة الكيان الفلسطيني في مسيرة القضية الفلسطينية في ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى 1897 – 1948
بدأت هذه المرحلة عام 1897 بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ثم بعد عشرين عاما تتوجت قرارات هذا المؤتمر بتصريح وزير الخارجية البريطاني بلفور عام 1917 باقامة وطن لليهود في فلسطين وتبع ذلك الاحتلال والانتداب البريطاني على فلسطين لثلاثين عاما حتى عام 1948. وكانت وظيفة الانتداب البريطاني كما جاء في صك الانتداب المادة الثانية، العمل على ايجاد الظروف لاقامة دولة لليهود في فلسطين. فكان البريطانيون يصنعون دولة للكيان الصهيوني في فلسطين يوما بيوم حتى قيل بحق.. (اسرائيل) صنعت في لندن والذي كان يقوم بالتضحيات وتكلفة الاحتلال ومقاومة الثورات ضد الحركة الصهيونية وهدفها هي القوات البريطانية.
حين عقد المؤتمر الصهيوني الأول وحين صدر تصريح بلفور كانت فلسطين ضمن ولايات سورية خاضعة كغيرها من المشرق العربي للخلافة العثمانية، فلم يكن هنالك كيان فلسطيني بالحدود التي صنعتها بريطانيا. ولذلك فالقيادات الفلسطينية في المؤتمر العربي الفلسطيني المنعقد في القدس عام 1919 اعتبرت فلسطين جزءا من سوريا حيث لم يسبق أن انفصلت عنها في يوم من الايام (1). وفي مذكرة لمجلس الشيوخ الأمريكي ارسلتها الأندية والجمعيات العربية في مدينة القدس تتحدث فيها عن فلسطين بأنها الجزء الجنوبي من سوريا (2). وفي عام 1931 صدر الميثاق القومي العربي في القدس واشار الميثاق إلى المؤامرة الاستعمارية باشغال كل قطر عربي عن الأقطار الأخرى (3).. ورفض الميثاق كل اشكال التجزئة.
وفي عام 1947 رفضت القيادة الفلسطينية برئاسة الحاج أمين الحسيني تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية أي ما يسمى حاليا حل الدولتين.. وساندت هذا الموقف دول الجامعة العربية، وهكذا في هذه المرحلة كان هنالك رفض لفكرة الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين، واعتبار فلسطين كلها جزء من سوريا ومن الوطن العربي.
وفي هذه المرحلة كانت الثورات الفلسطينية والتي شارك فيها قيادة وجنود ومواطنون عرب من مختلف الأقطار العربية ولا سيما الأقطار المجاورة وانتهت هذه المرحلة عام 1948 بحرب بين جيوش عربية وعصابات صهيونية انتهت بالنكبة وتقسمت فلسطين إلى ثلاثة اقسام:
– قسم محتل من الكيان الصهيوني أعلن فيه دولته (اسرائيل) على 78% من ارض فلسطين مع أن قرار التقسيم المقر من الأمم المتحدة يعطيها 55% من فلسطين وكان اليهود ثلث السكان ويملكون فقط 6ر5% من مساحة فلسطين.
– والجزء الشرقي من فلسطين أصبح الضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية.
– والجزء الجنوبي وهو قطاع غزة تحت اشراف الادارة المصرية.
وعقدت الدول العربية الهدنة الدائمة مع العدو الصهيوني، وليس مع اي كيان فلسطيني أو قيادة فلسطينية، وقد شكلت الهيئة العربية العليا لفلسطين حكومة أسمتها حكومة عموم فلسطين لم يكن لها أي سلطة على اي جزء من فلسطين بل كانت حكومة رمزية لها ممثل في الجامعة العربية وكان ذلك ردا على الاحتلال وتوقف الحرب والمقاومة. ولم تقم أي معارضة فلسطينية تذكر لضم ما تبقى من فلسطين للأردن أو لاشراف الادارة المصرية.