تتزايد محاولات اقتحام المسجد الأقصى وتهويده، ويخطئ من يظن أن التصدي لمثل تلك المحاولات هو قضية دينية فحسب، أو شأنٌ يتعلق بخلاف عقائدي بين المسلمين واليهود على ملكية المقدسات كما يتوهم بعض الغربيين. إنما ترتبط قضية الأقصى بالرواية التاريخية للارض، وبإضفاء المشروعية على مزاعم المحتلين بأن الأقصى بني على “هيكل سليمان” وأن العرب، بالتالي، هم المحتلون للأرض… فقضية الأقصى قضية وطنية وقومية وما البعد الديني إلا أحد تعبيراتها ودليلنا على ذلك قيام جماعة “دفع الثمن” اليهودية بتحطيم شواهد عشرات المقابر المسيحية قرب مسجد النبي داوود في القدس قبل عام وفي أكثر من مناسبة ومكان. فالصراع يدور في الحقيقة حول هوية الأرض… وبالتالي حول حق ملكيتها.
تطال عملية التهويد كل فلسطين طبعاً، أرضاً وتاريخاً واستيطاناً، ولكن القدس حظيت منذ البداية بتركيز خاص، لما تتمتع به من مكانة تاريخية خاصة في الأساطير اليهودية، ولما تمثله من رمزية توراتية تؤسس لمشروعية دولة “إسرائيل” ثقافياً حتى عند غير المتدينين من اليهود، فالقضية ليست قضية سيطرة استعمارية على الأرض فحسب، بل هوية تلك الأرض، وهل هي يهودية أم عربية؟
وفي فلسطين تختزل هذه القضية بالبعد الرمزي للقدس، وفي القدس يختزل ذاك البعد الرمزي تحديداً بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وفي الأقصى يتلخص البعد الرمزي للصراع العربي-الصهيوني حول هوية الأرض بهوية الحائط الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى، وهل هو حائط البراق، الحائط الذي ربطت إليه “البراق”، مطية الرسول، عليه الصلاة والسلام، في رحلة الإسراء والمعراج، أم هو “حائط المبكى”؟ و”المبكى”، حسب خرابيط اليهود، يشكل جزءاً أو بقية من “هيكل سليمان الثاني” الذي تم بناؤه بعدما سمح سايروس الفارسي لليهود بالعودة إلى فلسطين بعد “السبي البابلي”… فتم استكمال بنائه بعد سبعين عاماً من تدمير الهيكل الأول، في ظل الإمبراطورية الفارسية في عهد داريوس الكبير…
إذن تقول الرواية الصهيونية العابقة بعفن الأبخرة التلمودية أن المسجد الأقصى بني على أنقاض “هيكل سليمان”.. والرواية العربية تقول بأن المسجد الأقصى هو ملكية عربية ووقف إسلامي. وقد أدرك علمانيو اليهود وملحدوهم، قبل حاخاماتهم، أهمية فرض الرواية التوراتية حول الأقصى لتبرير احتلال فلسطين. ولذلك قاد وزير الدفاع الصهيوني الأسبق موشي دايان حاخامات اليهود للصلاة أمام حائط البراق بعد احتلال القدس مباشرة عام 67، مع أنه لم يكن متديناً على الإطلاق. فهوية حائط البراق عنوان للصراع، لأنها عنوانٌ لهوية الأرض، وهي النقطة التي يدركها المواطنون العرب بحسهم العفوي ولذلك كثيراً ما تراهم يرفعون صورة قبة الصخرة (أو المسجد الأقصى أو الاثنين معاً، وكثيراً ما ينشأ خلط ما بين الاثنين، وقد باتا يمثلان الآن شيئاً واحداً في العقل الجمعي العربي والإسلامي!!).
ويذكر أن محكمة العدل العليا “الإسرائيلية” أصدرت قراراً بعد توقيع اتفاقية أوسلو بعشرة أيام، أي في 23/9/1993، يقضي باعتبار المسجد الأقصى أرضاً “إسرائيلية” وضعتها المحكمة تحت وصاية منظمة “أمناء الهيكل” الصهيونية المتطرفة، وهي إحدى الواجهات التي تستغلها الدولة للاعتداء على الأقصى.
وما زالت الحفريات تحت الأقصى وفي جواره مستمرة، وهي لم تؤدِ لإيجاد أثر لأي هيكل من أي نوع بالمناسبة، ولكنها باتت تعرض الأقصى للسقوط، بعد قرض أساساته، نتيجة أبسط هزة أرضية. فهل نتركه يسقط، بالرغم من كل ما يمثله في الصراع وفي هوية فلسطين؟ الأقصى ليس بديلاً للقدس، والقدس ليست بديلاً لفلسطين، ولكنها باتت تكثيفاً لها، وهذه باتت حقيقة ثقافية تفرض نفسها بنفسها حتى عند من يرفضون التأويل الديني للصراع. والإسلام في هذه المعركة ظهيرٌ للموقف الوطني والقومي، والعكس بالعكس، ولا تناقض بين الاثنين.
وبما أن محاولات اقتحام المسجد الأقصى من قبل من يسمون “المتطرفين اليهود” في تصاعد يومي، وبما أن التوجه العام في الكنيست والخارجية الأمريكية يمضي باتجاه “تقسيم الأقصى” بحيث يسمح لليهود بزيارته وهم يحملون التوراة وبالصلاة والتجول فيه، وبما أن محاولة محو هوية الأقصى تسير على قدم وساق من خلال مشاريع إقامة عدد من المنشآت الدينية اليهودية تحته وحوله وفي جواره، وبما أن كل ذلك يجري في سياق تصاعد الاختراقات التطبيعية للأسواق الأردنية، وصفقة الغاز الأردنية مع العدو الصهيوني، وبما أن أي مطبع، مهما كان شكل التطبيع الذي يمارسه، هو شريك في تهويد فلسطين والقدس والأقصى، فإن نعلن في اعتصام جك رقم 237 أن الأقصى برقبة كل مطبع.
شارك بأطول اعتصام في تاريخ الأردن..
شاركنا في اعتصامنا الأسبوعي رقم 237، يوم الخميس 2 تشرين أول ٢٠١٤، من السادسة حتى السابعة مساءً، رفضنا لوجود السفارة الصهيونية في عمان، ومطالبتنا بإعلان بطلان معاهدة وادي عربة.
من أجل أردن خالِ من الصهيونية، شارك بالاعتصام الأسبوعي كل خميس على رصيف جامع الكالوتي في الرابية احتجاجاً على وجود السفارة الصهيونية في الرابية.
احتجاجنا ضد وجود سفارة العدو الصهيوني في عمان ليس موسمياً ولا عارضاً، وليس ردة فعل ضد المجازر الصهيونية فحسب.