في بداية العاصفة الثلجية “أليكسا” التي أرخت بأثقالها البيضاء على الأردن تناقلت مواقع الإنترنت المحلية الأردنية خبراً مضحكاً مبكياً: انهيار مركز “المسارع النووي” السنكروترون SESAME في علان!!
إذن لدينا في الأردن مركز أبحاث نووية يتبع لهيئة الطاقة النووية يقع في جامعة البلقاء التطبيقية في علان قرب مدينة السلط عاصمة محافظة البلقاء التي ترتفع هضابها بين 800 و1100 متر عن سطح البحر، لكن ذلك المركز انهار سقفه تحت وطأة الثلوج المتراكمة عليه بعد يوم أو يومين من حلول “أليكسا”!! وقد أُرفِق الخبر بصور لانهيار سقف المبنى، ثم أورد موقعٌ أخر معلومةً غريبة مفادها أن العاملين بالمركز يحاولون إنقاذ معداته بلفها بـ”أكياس الزبالة”!!
حتى الآن يوحي الخبر ربما بمزيج غير محدد من سوء الإدارة والفساد، بما لا يخرج عن المألوف في العالم الثالث عامةً، سوى أن الأمر يتعلق بشأن نووي، مع العلم أن الأردن من منتجي اليورانيوم الذي نشر موقع السفارة الأمريكية في عمان عرضاً لاستخراجه للشركات الأمريكية منذ العام 1999.
لكن بما أن الأردن يفترض أنه على وشك أن يبني مفاعلاً نووياً كاملاً، فإن من حق المواطنين الأردنيين وأهل بلاد الشام والعرب أن يطمئنوا نسبياً أن المشرفين على المشاريع النووية في الأردن يدركون نوعاً ما طبيعة الفرق بين تسرب المياه العادمة للمياه الجوفية مثلاً، أو تسرب الطلبة من المدارس الثانوية من جهة، وهي من المشاكل المألوفة لدينا، وبين التسرب النووي من جهة أخرى… داعين الله عز وجل أن يحفظنا من كل مكروه.
وتقل الأخبار والتقارير عن مشروع “المسارع النووي” في علان باللغة العربية عامة، لذلك على المرء أن يبحث عنها باللغة الإنكليزية أو العبرية ربما، ولم يكن هناك من داعٍ ملحٍ للبحث عن التفاصيل في الواقع حتى اتصل مواطنون من السلط بـ”جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية” في عمان ليخبرونا أن المركز المنهار هو في الواقع بؤرة للتطبيع مع العدو الصهيوني، وأن صهيونياً أصبح مؤخراً نائب رئيس للمركز.
الآن فهمنا حكمة “أليكسا” القادمة من روسيا في هدم مبنى “المسارع النووي” المتداعي المسمى “سيسامي” SESAME، والذي تم تأسيسه كمختبر مستقل تحت وصاية منظمة “اليونيسكو” التابعة للأمم المتحدة في 30 أيار 2002، وكان المشروع قد أطلق بصورته الأولية في العام 1999، وتم الاحتفال بوضع حجر أساسه في 6 كانون الثاني 2003، ويفترض أن ينتهي العمل به في العام 2015، لكن مشاكل مالية قد تؤخر إنجازه أو تلغيه بالكامل حسب بعض المواقع.
أما الدول المشاركة رسميا بتأسيس مشروع “سيسامي” حسب موقعه الرسمي فهي: البحرين وقبرص ومصر وإيران و”إسرائيل” والأردن وباكستان والسلطة الفلسطينية وتركيا.
فكرة المشروع طرحها عالم الفيزياء الأمريكي هيرمان وينيك في العام 1997 كبذرة للتعاون في “الشرق الأوسط” الذي أضاف في مقابلة مع مجلة “أخبار العلم” (سينس نيوز) في 17 كانون الثاني 2009 أن تعبير “سيسامي” يقصد به كلمة السر التي تفتح الأبواب، بمعنى “افتح يا سمسم” طبعاً… ولم أجد شيئاً في تلك المقابلة بعد فتح الأبواب عن تخفيض السقوف… لكن في السياسة كثيراً ما يقود الأمر الأول إلى الثاني.
يقدم مشروع “سيسامي” جزرة امتلاك تكنولوجيا متقدمة لاستخدام مصدر ضوء السنكروترون في علوم الهندسة والطب والأحياء والفيزياء. مثلاً، يتيح هذا السنكروترون تفحص تفاصيل الخلايا الحية والفيروسات والذرات بدقة غير ممكنة بدونه.
المطلوب مقابل ذلك بالطبع هو التطبيع مع العدو الصهيوني وإفساح المجال أمامه لاختراق النخبة العلمية والجامعات وحقل الدراسات المتقدمة بشكل عام وفرض هيمنته عبر العلوم والتكنولوجيا المتقدمة اللذين يمتلكهما على تطورها اللاحق في بلادنا. فالعدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية لا يقدمان هدايا مجانية لأحد، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى والصغرى تتمثل بصفة مراقب في مشروع “سيسامي”.
ليس هناك شيء اسمه نصف تطبيع أو ربع دعارة. والتطبيع مدان من حيثما ما أتى، بغض النظر عن الذريعة، والسلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية المشاركة في مشروع “سيسامي” مدانون جميعاً على احتضان مثل هذا الاختراق التطبيعي المظلل دولياً عبر مشروع مستمرٍ رسمياً منذ العام 2003.
لكن نلاحظ أيضاً أن “سيسامي” يعكس التوازنات والعلاقات الإقليمية والدولية. فقد جاء تأسيسه عقب احتلال العراق، وعندما تصاعد الصراع الإيراني-الأمريكي في الإقليم اغتيل عالمان إيرانيان مرتبطان مباشرة بمشروع “سيسامي” أحدهما الدكتور مسعود علي محمدي الذي اغتيل في 12 كانون الثاني 2010 أمام منزله في طهران، والآخر هو الدكتور ماجد شهرياري الذي الصق مجهولون يستقلون دارجات نارية قنابل بجسم سيارته خلال مسيرها ثم فجروها عن بعد، وكان ذلك في 29 تشرين الثاني 2010.
الجديد اليوم هو انفتاح رسمي إيراني على التفاهم مع الولايات المتحدة حول الموضوع النووي، وهو ما لا بد له أن ينعكس على الإقليم، وتزعم بعض المصادر الصهيونية أنه انفتاح أزعج روسيا إلى درجة دفعت بوتين للموافقة على طلب من نتنياهو بتأجيل مؤتمر دولي لنزع السلاح النووي في “الشرق الأوسط”. وبغض النظر عن هذه المعلومة/ التحليل، فإن المؤكد هو أن الدول المشاركة في مركز “سيسامي” انتخبت نائباً جديداً للرئيس هو الدكتور أليعازر رابينوفيتشي من الجامعة العبرية في القدس. وكلمة انتخاب واضحة في دلالاتها، خاصة أن أغلبية الدول التي يحق لها التصويت عربية ومسلمة، ولم تذكر المواقع “الإسرائيلية” شيئاً عن أي معارضة لانتخاب البروفسور رابينوفيتشي… مع العلم أن كل دولة في مجلس المشروع ممثلة بمندوبين، أحدهما عالِم والأخر حكومي رسمي. وللمركز نائبا رئيس، والآخر إيراني هو سيد محمود رضا الغميري. أما الرئيس فبريطاني.
إبراهيم علوش
البناء 25/12/2013
للمشاركة على الفيسبوك: