ندين اللقاء التطبيعي في الكنيست وعودة المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني
تدين جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية اللقاء التطبيعي بين مسؤولين في حركة فتح والسلطة الفلسطينية من جهة، وممثلين عن أحزاب صهيونية شتى من جهة أخرى، في الكنيست الصهيوني يوم الأربعاء الموافق 31/7/2013.
وإننا إذ نعيد التأكيد أن الترشح للكنيست، والعضوية فيه، هو عمل تطبيعي متصهين بما يمثله من: 1) اعتراف رسمي بالمؤسسة العليا في الكيان الصهيوني، 2) أسرلة للعمل السياسي والجماهيري في الأراضي المحتلة في العام 48، و3) من إبراز لصورةٍ ديموقراطيةٍ زائفة للكيان الصهيوني أمام العالم، فإننا نرى أن ممارسة التطبيع عبر بوابة الكنيست قد انتقلت إلى مرحلة جديدة، هي في الواقع حضيضٌ أدنى، من خلال جر ممثلي السلطة الفلسطينية، والجهات المتنفذة فيها، لعقد لقاءات تطبيعية في حضن المؤسسة الحاكمة الصهيونية بذريعة الترويج لحل “الدولتين” بين صفوف الصهاينة.
إن تصوير مشكلة “حل الدولتين” بأنه مشكلة “علاقات عامة” و”حملة إعلانية” و”تأثير إعلامي” لا يمثل تسطيحاً للصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني فحسب، بل يقفز عن حقائق ميزان القوى المختل على الأرض، وحقيقة الاختراق الاستعماري المتوسع يومياً لأكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، وتحول الرأي العام “الإسرائيلي” عبر العقود الماضية نحو المزيد والمزيد من التشدد.
وتقودنا كل تلك الحقائق العنيدة إلى استنتاج وحيد مفاده أن الكيان الصهيوني لا يمكن التعامل معه إلا بالمقاومة بكافة أشكالها، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وأنه لم يتخلَ يوماً عن شيء مهما صغر إلا في مواجهة قوى المقاومة المسلحة، أو في مقابل جيوشٍ مستعدة لقتاله.
وإذا كانت قيادات السلطة الفلسطينية وفتح تتجاهل هذا السجل الثابت والواضح، فإنما يدلل ذلك أنها مصرة على السير في نفس الخط المفلس الذي أدى لتهويد القدس والضفة الغربية في ظل اتفاقية أوسلو. فاللقاء التطبيعي في الكنيست، كما العودة للتفاوض مع الكيان بعد التخلي عن مطلب “وقف الاستيطان” السخيف (سخيف لأنه لا يتطرق لما سبق من استيطان، ولأنه يتجاهل الاستيطان خارج الضفة الغربية، كما في قانون برافر مثلاً)، يعبران عن أزمة خط سياسي كامل أصابه الإفلاس ولم يعد يملك من أمره شيئاً سوى المزيد من المقامرة على حساب مكسور وفاشل بوضوح، وهو ليس خط السلطة الفلسطينية فحسب بالمناسبة، بل خط “مبادرة السلام العربية” التي قررت في نسختها المعدلة في العام 2007 ضرورة الاتصال مع الرأي العام “الإسرائيلي” لإقناعه بأن السلام مقابل التطبيع، مع أن الاتصال بالرأي العام “الإسرائيلي” يمثل تطبيعاً مسبقاً غير مشروط!!!
المهم أن السلطة الفلسطينية هنا تتحرك بغطاء رسمي عربي، أو بالأحرى تساهم بدفع فواتير الصعود السعودي في الإقليم في مواجهة قطر على صعيد الصراع العربي-الصهيوني.. ومثل هذا لا تغطيه مسرحية رفع العلم الفلسطيني في الكنيست!
ولعل مهزلة إستراتيجية الحصول على “دويلة” عبر “علاقات عامة ذكية” في الكنيست تتجلى بقيام نواب الكنيست في يوم اللقاء التطبيعي نفسه بإقرار قانون، بالقراءة الأولى، برفع نسبة الحسم في الانتخابات من 2% إلى 4%، وهو ما سيخرج كل القوائم العربية من التمثيل النيابي في الكنيست!
وإذا كان ذلك يدل على شيء، فعلى أوهام من يسعون لكسب ود أعضاء الكنيست، وأوهام من يرون في الكنيست ميداناً لتخليص “إسرائيل” من عنصريتها… فمشكلة الكيان الصهيوني لا تكمن في عنصريته، بل في وجوده الإحلالي الاستعماري، الذي تمثل العنصرية أحد مظاهره الثانوية فحسب. ومشكلة “الدويلة” في حدود الأراضي المحتلة في العام 67 ليست في إقناع الصهاينة بها، بل في كونهم لا يجدون أمامهم قوة مقنعة تجبرهم على القبول بما هو أقل منها، مع قناعتنا المبدئية أن من يمتلك مثل تلك القوة القادرة على هزيمة الكيان الصهيوني لن يكون عقلانياً لو قبل بأقل من فلسطين كاملة..
وعليه، نعتبر أيضاً أن بعض من يدينون اللقاء التطبيعي في الكنيست، وهم يتحدثون عن “مقاومة سلمية” و”هدنة مطولة” و”دولة في حدود ال67″ و”قرارت شرعية دولية وعربية”، وهم يتحالفون مع حلف الناتو في أكثر من موضع وقطر عربي، غير منسجمين مع أنفسهم أيضاً في إدانتهم لعودة المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني أو في إدانتهم للقاءات التطبيعية في الكنيست الصهيوني، أو أن تلك الإدانة تنبع من حسابات سياسية مزايِدة، لا من موقف مبدئي.
وإننا في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية نكرر إدانتنا لعودة المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني، وكل نهج التفاوض والصلح والاعتراف، وهو ما كنا قد أصدرنا فيه بياناً عندما بدأت تظهر ملامحه البشعة في بداية العام 2012، ونرى اليوم أن عودة المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بضغوط أمريكية، إذا أنتج شيئاً، فإنه لن ينتج أكثر من حكم ذاتي موسع على أجزاء من الضفة في أحسن الأحوال، كما كان مقرراً منذ معاهدة كامب ديفيد.
ونرى أن عودة المفاوضات المباشرة الآن تأتي في سياق ترتيبات إقليمية في محيط الكيان الصهيوني، كما كانت “خريطة الطريق” غطاء للعدوان على العراق في العام 2003، وكما كان “استحقاق أيلول” غطاءً للعدوان على ليبيا في العام 2011، كما نرى أن المفاوضات والاتفاقيات شكلت دوماً غطاء لتصعيد عمليات التطبيع والاختراق الصهيوني فلسطينياً وعربياً وعالمياً، ومنه اللقاء التطبيعي الأخير في الكنيست الصهيوني.