تابعنا مستنكرين، بلا استغراب ولا مفاجأة، تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) للقناة الثانية “الإسرائيلية” في ذكرى وعد بلفور التي يتخلى فيها عن فلسطين المحتلة عام 48، وعن العودة إليها، والتي ينذر فيها كل من تسول له نفسه بالتفكير بالمقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة أن السلطة التي صنعتها اتفاقية أوسلو ستكون له بالمرصاد…

ولا بد من فهم الترابط بين النقاط الواردة أعلاه في تصريحات عباس.  فالمشكلة الأساسية فيها ليست أنه تخلى عن “حق العودة”، كما ذهب البعض، بل المشكلة في التخلي عن فلسطين المحتلة عام 48، وعن عروبة تلك الأرض، وهو ما يستتبع بالضرورة ومنطقياً التخلي عن عودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم التي طردوا منها.  ومن يتخلى عن الأرض، لا يمكن إلا أن يصل لمثل تلك النتيجة.

فمن يتبنى مشروع الدويلة المسخ في الأراضي المحتلة عام 67 يسير على طريق محمود عباس، سوى أنه أصدق منهم، وأكثر انسجاماً مع نفسه في ممارسة الخيانة الوطنية، لأن برنامج “الدولة الفلسطينية” هو برنامج التخلي عن الأرض المحتلة عام 48، وهذا يعني قانونياً وسياسياً وواقعياً تركها للسيادة الصهيونية لتقرر مثل أي دولة ذات سيادة من يحق له أن يدخلها أو يعيش فيها، وهذا يعني بالتالي أن برنامج “الدولة الفلسطينية” زائد “حق العودة” هو هراء لذر الرماد في الأعين أو خداع النفس، لأن العودة غير ممكنة ما دام الكيان الصهيوني موجوداً وما دام هو صاحب القرار السيادي عليها.

وقد سبق لعباس عام 2005 أن دعا الدول العربية لتجنيس الفلسطينيين الموجودين لديها، ولإعطائهم “حقوقهم السياسية” كاملة.  ويمثل موقفه الواضح الآن الثمرة النهائية لكل خطاب التسوية مع العدو الصهيوني ابتداء من اقرار برنامج النقاط العشر في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 الذي دعا لتأسيس سلطة فلسطينية على أي قطعة أرض يتم تحريرها (دون الاعتراف بالكيان الصهيوني، كما زعمت النقاط العشر آنذاك)، وقد رأينا أن السلطة التي تقام بلا تحرير تنتج الاعتراف بالكيان الصهيوني دون أن تنتج أي سلطة أو دولة إلا بالاسم، وأن برنامج الدولة ليس في الواقع إلا برنامج التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني سواء دعا إليه عباس أو غيره.  فالقضية ضاعت ابتداءً عندما أصبح مشروع الدولة بديلاً عن مشروع التحرير.

أما التمسك بحفظ أمن الكيان الصهيوني ورعايته والحرص عليه فهو شرط دولي وصهيوني للتعامل مع أي مقترح لإقامة “دولة” إلى جانب الكيان الصهيوني، وهذا يعني أن العمل المسلح ممنوع بالضرورة، وأن منعه مسؤولية الطرف الفلسطيني في مشروع “التسوية”، قبل أن يكون مسؤولية الطرف الصهيوني، ومن هنا تترابط مكونات الصورة: فالتخلي عن الأرض، أي عن مشروع التحرير، ينتج بالضرورة التخلي عن العودة والحرص على أمن الكيان الصهيوني، وهذا مصير أي مشروع سياسي يحيد قيد أنملة عن هدف تحرير فلسطين العربية من النهر إلى البحر.

وبالرغم من هذه التنازلات المجانية بالجملة، فإن الصهاينة لا يرضون، ويطالبون دوماً بالمزيد من التنازلات والضمانات، مما يسقط كل خط التسوية الفلسطيني، بمختلف ألوانه العقائدية، في دوامة خبيثة بلا قرار…  ولهذا فإننا في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، ونحن ندين تصريحات عباس الخيانية طبعاً، لا نقبل أن يصبح ذلك غطاءً للتنافس مع عباس على السلطة أو للحلول محله في نفس الدور، أو أن تقتصر الإدانة على جزئية صغيرة، بدلاً من إدانة النهج التسووي والتطبيعي برمته الذي أثبت فشله على مدى عقود، فعلينا أن نكون منسجمين مع أنفسنا في خط المقاومة كما عباس منسجم مع نفسه في خط التسوية.

وعليه، فإننا ندين كل المعاهدات والتطبيع مع العدو الصهيوني، وندين السعي للتعايش مع الكيان الصهيوني، تحت أي مسمى أو صيغة من “الشرعية الدولية” إلى “الخط المرحلي” إلى “إسرائيل لكافة مواطنيها”، لأننا نعتبر أن في فلسطين مشروعين لا ثالث لهما: مشروع التحرير من جهة، ومشروع التسوية من جهة أخرى، فإما هنا وإما هناك ولا منطقة رمادية بين المشروعين.

وقد فات من أدانوا تصريحات عباس ان يدينوا إجرائه لمقابلة مع التلفزيون الصهيوني، فالتطبيع أيضاً جريمة وطنية وقومية ولكنها حلقة ضرورية من السلسلة المترابطة للخط التسووي، لا يمكن فصلها عن التخلي عن الأرض والعودة والمقاومة المسلحة، فهذا يقود إلى ذاك وذاك إلى هذا، ونحن نقول أن التفكيك أيضاً جزءٌ من تلك السلسلة اللعينة، فالعدو الصهيوني لا يتحقق أمنه الإستراتيجي إلا بتفكيك محيطه العربي، لا فلسطين فحسب.  ومن هنا نرفض فك ارتباط قضية فلسطين بالقضية العربية، كما نرفض تفكيك قضية فلسطين إلى ضفة وغزة و48 ولاجئي شتات، بل هي قضية واحدة عقدتُها المركزية احتلال فلسطين وحل عقدتها يكون الكفاح المسلح حتى التحرير الكامل، وهي مسؤولية الأمة العربية لا الفلسطينيين وحدهم.

وننوه أننا كنا في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية قد أشهرنا، قبل أيام من تصريحات محمود عباس، لجنة التحرير والعودة، التي أكدت في ميثاقها على الرابط الضروري بين التحرير والعودة والمقاومة بكافة أشكالها ومناهضة التطبيع والتأكيد على البعد العربي للقضية الفلسطينية.  وتمد لجنة التحرير والعودة يدها لكل المخلصين لقضية العودة للتعاون من أجل الهدف الواحد.

إن مثل  تصريحات عباس يجب أن تدفعنا لإعادة التأكيد على أهمية الربط بين التحرير والعودة ورفض كل الحلول التسووية والمعاهدات ورفض التفاوض حول قضية اللاجئين.  وندعو اليوم لتنسيق الجهود للتصدي لمحاولة الإطاحة بقضية العودة كثمن مفترض تم دفعه مسبقاً لدولة فلسطينية موهومة، وقد رأينا كيف أجلت اتفاقية أوسلو قضية اللاجئين لأجل غير مسمى، ليتم تبديدها الآن، بلا مقابل، فيما دعت اتفاقية وادي عربة صراحة لتوطين اللاجئين.  ونقولها بوضوح: لا عودة بلا تحرير، ولا تحرير بلا كفاح مسلح.

عاشت فلسطين حرة عربية!

عاش نهج المقاومة والتحرير!

تسقط كل المعاهدات مع العدو الصهيوني!

جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية

عمان 4/11/2012