ميثاق لجنة التحرير والعودة/ جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية:
– إعلان تأسيس لجنة التحرير والعودة في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية في الاردن لإعادة العلاقة الطبيعية بين التحرير والعودة إلى موضعها الصحيح، ولإعادة توجيه البوصلة في التعامل مع اللجوء الفلسطيني باتجاه التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني
– لماذا بتنا نتحدث عن “حق العودة” بدلاً من “العودة” عندما فصلت قضية اللجوء عن قضية فلسطين ووضعت كملف منفصل على مائدة الحلول التسووية؟!
– تفكيك القرار 194: خطورة ربط قضية العودة بالقرار الدولي عامةً وبالبند 11 من القرار 194 خاصة
– تفكيك الطرق المختلفة لتناول “حق العودة”: العودة تنبني على الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين
– البرنامج الوطني الفلسطيني هو الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل، وهو ما يعني، فيما يعنيه، “رفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً ورفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية, أو تدويلها” (البند 21 من الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل). وهو ما يعني بالضرورة رفض التوطين.
– “السلام” مع العدو الصهيوني يعني تلقائياً تحويل اللجوء الفلسطيني إلى مشكلة عربية داخلية، والمعاهدات مع العدو الصهيوني من أوسلو لوادي عربة لكامب ديفيد تعني تصفية قضية اللاجئين
– البرنامج الوطني الأردني يجب أن ينطلق من أولوية إعلان بطلان وادي عربة واحتضان مشروع المقاومة والتحرير إذا كان جاداً بشأن إعادة اللاجئين إلى بيوتهم وبلداتهم التي هجروا منها
– لا تفاوض ولا تفريط بالعودة… اللاجئون لم ولن ينسوا فلسطين، لكن العودة لا تتم بدون تحرير، ولا تحرير إلا بالكفاح المسلح، ولا مشروع تحرير بدون حاضنة عربية
– توطئة: منذ البدء، نتج عن احتلال فلسطين تهجير أكثر من نصف الشعب العربي الفلسطيني خارج أرضه. هكذا نشأت معاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ أكثر من ستة عقود ونصف. ولا تزال السياسة الرسمية للكيان الصهيوني منذ نشأته هي تهويد الأرض وتهجير الفلسطينيين من أرضهم من خلال إجراءات حكومية “إسرائيلية” تسعى دوماً وأبداً للتضييق عليهم وتعقيد ظروفهم الحياتية. ويترافق ذلك مع اعتداءات المستعمرين الصهاينة اليومية في الضفة الغربية ومع السياسات الصهيونية العنصرية في الأراضي المحتلة عام 48. ولا تزال فكرة “الترانسفير”، أي فكرة طرد الفلسطينيين من أرضهم، فكرة متداولة في الخطاب السياسي “الإسرائيلي”. ولا يزال الساسة الصهاينة يتعاملون مع الوجود العربي الفلسطيني الأصيل في أرض الآباء والأجداد، منذ الكنعانيين، باعتباره عائقاً أمام المشروع الصهيوني وهو المشروع الذي يتلخص بالهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة دولة يهودية فيها. وعليه فإن اللجوء ليس شيئاً من الماضي فحسب، بل خطرٌ ماثلٌ دوماً ما دام المشروع الصهيوني قائماً. كما أن اللاجئين يتعرضون اليوم لمحاولة فصل قضيتهم عن قضية فلسطين، في سياق مشاريع الحلول التسووية، ويتعرضون لمحاولة تصفية قضيتهم سياسياً في سياق مشروع تصفية القضية الفلسطينية برمتها. وتزداد هذه المحاولات التصفوية خطورة اليوم بعد “الربيع العربي” الذي همش التناقض مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية، وهو ما يهدد بتحويل التناقض مع العدو الصهيوني إلى مجموعة من التناقضات الداخلية القابلة للانفجار حسب الطلب. ف”السلام” يهدد بتفجير المجتمع العربي داخلياً لأن الكيان الصهيوني لا يستطيع أن يستمر بوجود دول عربية قوية ومتماسكة. أما المقاومة فهي التي توحد الجبهة الداخلية كما اثبتت تجربة تحرير جنوب لبنان. فلا بد إذن من السعي لإعادة توجيه البوصلة باتجاه التناقض مع العدو الصهيوني، ولوضع قضية اللجوء في موضعها الصحيح كأحد تجليات القضية الفلسطينية لا كمشكلة بشر سقطوا من المريخ ولا بد من التفكير بحل ما لمشكلتهم لا يخل بحسن العلاقات مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية.
– تعريف: قررت الهيئة الإدارية لجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية تشكيل لجنة التحرير والعودة، بالنظر لما تحمله قضية العودة من أهمية في هذه المرحلة التي يتم فيها تداول مشاريع التوطين، وبالنظر لخطورة مثل هذه المشاريع على القضية الفلسطينية عامة وعلى الساحة الأردنية خاصة، وقد تم اختيار اسم لجنة “التحرير والعودة” بالنظر لاستحالة العودة بدون تحرير، كما سيأتي في الفقرات التي تحدد مفهوم اللجنة السياسي لقضية العودة أدناه.
– علاقة لجنة التحرير والعودة بجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية: تعتبر لجنة التحرير والعودة إحدى اللجان العاملة في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، ويرأسها ثلاثة أعضاء من الهيئة الإدارية لجمعية المناهضة، عملاً بالنظام الداخلي للجمعية الذي ينص على أن يرأس أي لجنة من لجان الجمعية عضو هيئة إدارية.
– نطاق عمل لجنة التحرير والعودة وأفقها السياسي: تسعى لجنة التحرير والعودة لتفعيل قضية التحرير والعودة في كل المحافظات الأردنية، ولا يقتصر نشاطها على العاصمة عمان أو على منطقة جغرافية واحدة فحسب، وتسعى للتواصل مع لجان العودة في كل مكان، بناء على الثوابت التي تربط العودة بالتحرير، والتي ترفض تحويل قضية اللاجئين إلى ملف من ملفات التسوية السياسية مع العدو الصهيوني، والتي تعتبر أن تفعيل قضية التحرير والعودة، بالإضافة إلى إعلان بطلان معاهدة وادي عربة وإغلاق السفارة الصهيونية، يجب أن يكونا على رأس أي جدول عمل وطني حقيقي في الساحة الأردنية.
– مشاركة لجنة التحرير والعودة في المؤتمرات والأطر التي تطرح “حق العودة”: حيث أن لجنة التحرير والعودة هي إحدى لجان جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، وحيث أنها تحمل اسم الجمعية وتمثلها، فإن مشاركتها في أي مؤتمر أو إطار يتناول العودة أو “حق العودة” يجب أن تتم الموافقة عليه من الهيئة الإدارية لجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية بالضرورة.
– حول المفهوم السياسي لقضية العودة:
من المؤسف أن البعض صار يتحدث عن “حق العودة” بدلاً من “العودة”، والفرق بين الاثنين كبيرٌ جداً، فالحق بالشيء لا يعني وجوبه، بل يفتح إمكانية التفاوض حوله، وهي النتيجة الطبيعية لفصل “ملف اللاجئين” عن القضية الفلسطينية ككل. أما من يفكر بالعودة فعلاً، فلا يطرحها بصفتها حقاً، بل بصفتها برنامجاً هو بالضرورة برنامج التحرير. ومن هنا فإننا نرى أن الحديث عن “قضية العودة” أسلم من الحديث عن “حق العودة”. وقد كانت المنظمات الفلسطينية عند انطلاقها مثلاً تتحدث عن “العودة” وليس عن “حق العودة”.
وكم عانينا في الماضي، ولا نزال، ممن يطرحون قضية فلسطين، أو أية قضية عربية أخرى، بطريقة تضيّع ثوابتها الأساسية! فليس كل من يطرح قضية عربية، ويثير حولها (أو حول نفسه ومن يمثلهم) ضجيجاً إعلامياً، يطرحها بطريقة تخدم تلك القضية.
فتوجيه الأضواء نحو قضية ما قد يأتي في سياق يخدم الأطراف العاملة على تصفيتها، سواء بسبب حسابات انتهازية أو سوء تقدير سياسي أو ارتباط مباشر مع مصالح الطرف الأمريكي-الصهيوني (كما في حالة الموقعين على اتفاقية جنيف اللاغية للعودة)، وهو الأمر الذي يختلط أحياناً على من يرون الورم شحماً فيظنون أن طرح مسألة ما يعادل أخذ موقف صحيح فيها.
قضية “حق العودة” مثلاً، ثمة عدة طرق لطرحها. فالبعض يقول: حق العودة حق فردي لكل فلسطيني لا يملك أي طرف غيره أن يتنازل عنه. هذه الصيغة لطرح المسألة هي صيغة حق العودة الفردي. وهناك من يقول: حق العودة حق جماعي ينبع من حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه. وهذه الصيغة هي صيغة حق العودة الجماعي. وهناك من يقول أن حق العودة هو حق إنساني ينبع من حق كل إنسان مشرد أن تكون تحت رأسه وسادة، كما قال أحد الشعراء. والصيغة الأخيرة هي صيغة حق العودة الإنساني. وهناك أخيراً من يربط حق العودة بما يسمى قرارات الشرعية الدولية التي يسوق القرار 194 مثالاً عليها، وهذا حق العودة القانوني.
والمشكلة أن كل واحدة من الصيغ أعلاه يمكن تأويلها بسهولة بطريقة تلغي العودة وتربطها بعملية التسوية والتصفية، على الرغم من كونها تسوق لنا كعصاً سحريةٍ للنفاذ إلى الرأي العام العالمي. فحق العودة الفردي الذي لا يملك أن يتنازل عنه غير الشخص المعني يمكن استبداله بالتعويض. وحق العودة الجماعي المرتبط بحق تقرير المصير يمكن تفسيره، منذ أصبحت “الدولة” لا التحرير هدف النضال، بالعودة ضمن حدود “الدويلة الفلسطينية” فقط. وحق العودة الإنساني يسهل حله بالتوطين بالأردن والهجرة إلى كندا وغيرها، لأن القضية تصبح هنا أي وطن، وليس فلسطين بالضرورة. أما حق العودة المرتبط بالقرار 194، فيمكن نسخه ببساطة بقرار أخر يشطب حق العودة بجرة قلم كما شطبت فلسطين بقرار التقسيم، وهو ما يمكن أن يفرضه التوازن الدولي المائل ضدنا، وعندها نكون قد خسرنا خسراناً مبيناً من ربط حقوقنا بما يسمى “الشرعية الدولية”.
بقي إذن نوعٌ واحدٌ من الحقوق لا يمكن أن تضيع فيه العودة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يربط بعجلة عملية التسوية، وهو الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين. وهو ما يعني أن فلسطين أرض عربية مهما طال الزمن، ولو لم يبق فلسطيني واحد حياً. وهنا يرتبط حق العودة بالتحرير الذي لا عودة دونه.
الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين بالمناسبة لا يلغي حق العودة الفردي والجماعي والإنساني والقانوني، بل يحصنها جميعاً من الاختراق لحق العودة كما يجري حالياً. وكل الأشكال الأخرى لطرح حق العودة، في ظله، تصبح وسائل تكتيكية يمكن استخدامها أو عدمه حسب الحاجة الإعلامية والسياسية الراهنة، ما دام الأساس في العودة هو عروبة فلسطين من النهر إلى البحر.
بالمقابل، فإن أي شكل من أشكال التسوية مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، تحت شعار الدويلة أو الدولة الثنائية القومية أو غيرها، لا بد له أن يتخلى سلفاً عن عروبة فلسطين، وهو ما يعني بالضرورة التنازل عن العودة كنتيجة منطقية لمجرد الاعتراف بكلمة “إسرائيل”.
إذن يجب أن نؤكد على الأسس التالية فيما يتعلق بقضية فلسطين وقضية اللاجئين الناتجة عنها: 1) أن ما جرى هو احتلال، لا يزال قائماً، لا مجرد حدث مؤلم من الماضي، 2) أن اللجوء هو نتاج ذلك الاحتلال، ولم يهبط اللجوء من السماء علينا كالصاعقة فجأة لا يعرف أحد من أين، 3) أن معالجة اللجوء تكون بإزالة أسبابه وهي الاحتلال، 4) أن العودة بالتالي لا تكون بدون تحرير، 5) أن العودة تنبني على الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين، وليس على القانون الدولي أو التوسل أو “الفهلوة” بمحاولة الحصول على جنسيات “إسرائيلية” للاجئين، أو باختزالهم في “دولة فلسطينية” على جزء من الضفة الغربية، الخ… 6) أن الاحتلال جاء لتهديد الأمة العربية برمتها، لا الفلسطينيين فحسب، ومن هنا فإن التحرير مسؤولية كل الأمة، لا الفلسطينيين وحدهم، 7) أن السلام مع العدو الصهيوني بالتالي يتضمن استحقاقاً ضرورياً هو القبول بتوطين اللاجئين خارج فلسطين التاريخية، ولذلك فإن إسقاط خيار التوطين يعني بالضرورة إسقاط المعاهدات مع العدو الصهيوني وأي توجه للتفاهم معه.
وتنبع أهمية هذه الثوابت فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين من أنها تحمي الحراك السياسي من الانزلاق إلى مستوى الثورات الملونة التي تعيد إنتاج التبعية والتطبيع في قالب “ديموقراطي” أو “دستوري” أو “قانوني دولي”. أما معادل الثورة الملونة، التي تحيد التناقض مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، في حالة اللاجئين الفلسطينيين، فيقوم على طرح قضيتهم كقضية “حق” للعودة، بمعزل عن التناقض مع العدو الصهيوني، أو في سياق الحلول السياسية. ولعل أخطر شكل لاختراق وعي اللاجئين اليوم، أو الوعي المحيط بقضيتهم، يقوم على ربط “حق” العودة بالقرار 194.
– النتائج الضرورية لاستحقاقات التسوية:
للتسوية مع العدو الصهيوني استحقاقات لا مناص من التعامل معها، وبالشروط التي يحددها الطرف الأقوى في المعادلة، أي الطرف الأمريكي-الصهيوني. هذه الاستحقاقات تتسلل كحلقات في روابط لا تنفصم عراها ما بين مقدمات بديهية ونتائج ضرورية. وهي النتائج المتجسدة في اتفاقية أوسلو ومعاهدتي وادي عربة وكامب ديفيد. ومن ذلك ما يلي:
1 – إن مجرد الاعتراف بحق دولة العدو بالوجود، وشرعية الاستيطان اليهودي في فلسطين، يترك مشكلة اللاجئين دونما حل بالضرورة، خاصة وأن العدو الصهيوني لن يوافق بملء طوعه عن أكثر من صيغة شكلية لحق العودة. وهذا يطرح فوراً عدداً من الخيارات لحل مشكلة اللاجئين، يبرز على رأسها مشروع التوطين. ولكن التوطين بالنسبة لبلد مثل الأردن يفتح الباب على مصراعيه لتسلل مشروع الوطن البديل، مما يفجر النزعات الإقليمية ويهدد الأمن والاستقرار. ويصر لبنان على رفض التوطين لهذا السبب أيضاً.
2 – إذا كان الطرف الأمريكي-الصهيوني يخطط لحل مشكلة اللاجئين (وغيرها) على حساب النظام القطري العربي، بعد أن أدى ذلك النظام دوره في المرحلة المنصرمة، فإن التسوية مع العدو الصهيوني ستعني محاولة إضعاف الأنظمة العربية وإلغاء دورها وتهميشها وصولاً إلى تفتيتها. ومن هنا فإن رفض مشاريع التوطين والوطن البديل فعلاً، بغض النظر عن منطلقات ذلك الرفض، لا بد له أن يصطدم في المحصلة بمشاريع الحلول التسووية للصراع العربي-الصهيوني.
3 – إن التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي من الشروط الضرورية للتسوية. والتطبيع يفترض حل المشاكل المعلقة بطريقة أو بأخرى. بالتالي، لا بد من فهم التطبيع كجزء من برنامج، لا بصورة منفصلة عن البرنامج العام للطرف الأمريكي-الصهيوني. وهذا يعني أن التطبيع يسهل شرط الإضعاف والتفتيت بقدر ما يتحقق به. فهو جزءٌ من كلٍ متكامل يتضمن التوطين والوطن البديل والغاء هوية المنطقة من خلال منظمات التمويل الأجنبي وغيرها من الأطراف العاملة على تحقيق مشروع “الشرق أوسطية” بشكلٍ عام.
4 – إن طرح قضية حق العودة كحق فردي بالعودة إلى “إسرائيل”، لا كحق عربي تاريخي بأرض فلسطين، يسهل تحقيق مشروع التوطين والوطن البديل. فالحق الفردي يملك أن يسقطه فرد إذا وافق على قبض تعويضات مثلاً، أما الحق العام، فلا يملك أن يسقطه أي فرد. ويتبع أن تلهف بعض الأفراد للحصول على تعويضات لا يمكن ولا يجوز أن يسقط الحق العام، أي الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين.
5 – إن مشروع التطبيع-التوطين-الوطن البديل-التفتيت هو بالضرورة الشكل الذي سيتخذه مشروع التسوية في ظل موازين القوى الحالية. فليس منطقياً أن نقبل المقدمات ونرفض النتائج. وليس منطقياً أن نتبنى “السلام كخيار استراتيجي” لنرفض بعدها ما يترتب على ذلك من شروط يفرضها الطرف الأقوى، وهو الأقوى أيضاً لأن الإمبريالية تقف خلفه دوماً. أما محاولة تحسين شروط الالتحاق بالعملية التسووية من خلال الفهلوة، فليست بديلاً عن تغيير ميزان القوى على الأرض.
6 – إن الطرف الأمريكي-الصهيوني يملك في جعبته الكثير من الأوراق. وهذا يعني أننا لو افترضنا جدلاً أنه سيقدم من التنازلات ما يعادل التنازلات الفلسطينية والعربية في العدد والنوع، وهو ما لا يمليه منطق ميزان القوى، فإن العدو سيكون الرابح الأكبر في أية تسوية. فالعدو إذا قدم تنازلات، فإنه سيقدمها من الاحتياطي الكبير الذي راكمه عبر العقود، أما الجانب الفلسطيني والعربي فإنه لا يملك إلا عدداً محدوداً من الأوراق مثل الاعتراف والتطبيع قدم معظمها قبل أن يدخل المفاوضات.
7 – إن أي اتفاق بين طرفين هو انعكاس لميزان القوى القائم بينهما. وبالتالي، إن القبول بميزان القوى الحالي كنقطة انطلاق، باعتباره ميزاناً أبدياً لن يتغير، يعني القبول بالشروط الأمريكية-الصهيونية جميعها. فالعدو لن يقدم مثل القدر من التنازلات الذي يقدمه الجانب العربي، وهو سيفرض القدس عاصمةً له، والجزء الأساسي من المستعمرات في الضفة سيبقى تحت سلطته، و”حق العودة” سيبدده كما في “وثيقة جنيف”، وهو ما يعني بالضرورة تهيئة شروط التوطين والوطن البديل. والمشكلة هنا تتلخص في أن العدو ماضٍ بتعزيز عناصر قوته الإستراتيجية، من الأسلحة النووية إلى الصواريخ المضادة للصواريخ، بينما نستسلم نحن للقبول بأزلية تفوق العدو، وهو ما يسميه البعض “واقعية”، فلا نعمل على تعزيز عناصر قوتنا.
وعليه، فإننا يجب أن نعتبر تبنينا لقضية “التحرير والعودة” جزءاً لا يتجزأ من برنامج المقاومة بكافة أشكالها ضد العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية وأذنابها وبرمجها، لا قضية تتعلق باللاجئين وحدهم… بمعزل عن قضية فلسطين أو قضية الصراع مع الإمبريالية. وهذا يعني بديهياً رفض التفاوض على “قضية العودة” أو تحويلها إلى أحد ملفات “الحل السياسي”، كما يعني بالضرورة رفض كل الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، من أوسلو إلى وادي عربة إلى كامب ديفيد… على سبيل المثال، أوسلو حولت “قضية اللاجئين” إلى أحد ملفات “الحل النهائي”، أما وادي عربة، فنصت على التوطين في بندها الثامن، أما كامب ديفيد، فتخلو من ذكرهم.
– هل يجوز ربط “حق العودة” بسراب القرار 194؟
في الوقت الذي يرفض فيه كثيرٌ منا قرارات ما يسمى “الشرعية الدولية” لما تضمنته من إجحاف بحقنا، ومن اعترافٍ بالكيان الصهيوني وحقه بالوجود وبحدود آمنة، ويرفضون من حيث المبدأ، وعن وجه حق، ربط القضية الفلسطينية بعجلة “الحلول السياسية” التي قد تشرف أو لا تشرف عليها الأمم المتحدة، ويرفضون الصلح والاعتراف والتفاوض، فإنك تجد بعضنا يتمسك استثناءً بالقرار 194 الصادر في 11/12/1948، بعد احتلال فلسطين بأشهر، لاعتقادهم أنه قرارٌ يضمن “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي لا بأس من التمسك به دون غيره من قرارات “الشرعية الدولية” ما دام يمنحنا هذا الحق ويؤكد عليه.
الحديث إذن موجهٌ فقط للمتمسكين بالقرار 194 دون غيره، من بين الملتزمين بمشروع التحرير والعمل الاستشهادي والمسلح، وليس لمن سبق أن قبلوا بقرارات مثل قرار التقسيم 181 الصادر في 29/11/1947 الذي أعطى المشروعية للكيان الصهيوني على 55% من فلسطين، أو قرارات مثل 242 و338 التي تعترف بحق الكيان الصهيوني بالوجود بأمان ضمن “حدود ال67” أو 78% من فلسطين، وليس موجهاً بالتأكيد لمن تعاملوا بأي قدر من الإيجابية أو التساهل مع اتفاقيات مثل كامب ديفيد أو أوسلو ووادي عربة تجعل حتى الانسحاب الصهيوني إلى تلك “الحدود” مسألة خاضعة للتفاوض ولشروط “السلام” الصهيوني.
ومن يراقب هذا التسلسل في قرارات “الشرعية الدولية” سيجد أنها لم تصدر إلا لتعزز مكاسب الحركة الصهيونية على الأرض، وبالتالي لتكريس تلك المكاسب بالقانون الدولي، وبالتقادم، دوماً على حسابنا… فالانجرار خلف “الشرعية الدولية”، كما يدل السجل التاريخي في مفاصله الأساسية، يقودنا بالضرورة من سيء إلى أسوأ، وها هي اللجنة الرباعية التي تشارك فيها الأمم المتحدة بشروطها الثلاث (الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة مع العدو الصهيوني، نبذ العنف، والاعتراف بالكيان) تكشف إلى أي حضيضٍ يمكن أن يقودنا ربط القضية الفلسطينية بما يسمى “الشرعية الدولية”. وإذا كان الطرف الأمريكي-الصهيوني يحاول أن يجر الأمم المتحدة باستمرار إلى حضيضٍ أدنى من الذي سبقه، أو يعبر أحياناً عن عدم رضاه على “ضعف” مواقف الأمم المتحدة، فإن ذلك لا يعني أن نقبل بما سبق أن فرضه عبرها من قرارات بات يسعى لتجاوزها الآن إلى ما هو أدهى وأمر.
وعلينا أن لا ننسى أن من أعطوا فلسطين لليهود بقرار رسمي لا يمكن أن يكونوا أصدقاءً لنا أو حتى طرفاً محايداً، ولا يجوز أن يصبح أيٌ من قراراتهم مرجعيةً لنا. وقبل ذلك، علينا أن ننطلق من بديهيةٍ بسيطةٍ هي أن حقوق الأمة هي المقياس الأول للسياسات والمواقف، وبالتالي فإن أي قرار دولي أو قانون دولي أو “شرعية دولية” تتناقض مع حقوقنا كأمة يجب ببساطة أن تذهب إلى الجحيم! ومن هنا يفترض أن لا تستغرق منا القرارات الدولية الكثير من التفكير أصلاً ما دام مجلس الأمن ورشة لاستصدار القرارات المعادية لنا، وما دام ممثلو الدول العربية، لأنهم دولٌ، لا دولةٌ واحدةٌ، لا يمثلون مصلحة الأمة في الأمم المتحدة، ولا يريدون أو يستطيعون الدفاع عن حقوق الأمة فيها… هنا يجب أن نفكر فقط، كقوى مقاومة، كيف نواجهها ونفشلها لا كيف نتبناها ونقنع أنفسنا بها!
فإذا اتفقنا على هذه الأرضية للحوار، وما زال الحديث موجهاً فقط للمؤمنين بعروبة كل فلسطين وبالتحرير وبالعمل المسلح، لا يعود من الممكن أن نفضل القرار 194 على غيره من القرارات المجحفة بحقنا، ولا يعود من المنطقي أن نتعامل مع القرار 194 وكأنه أتى من خارج السياق ومنطق قوى الهيمنة الدولية ليحق لنا حقاً أو ليؤيد لنا قضية…
القرار 194، كغيره من قرارات الأمم المتحدة لا يمثل صحوة ضمير عالمية، بل جاء في سياق سياسي محدد، عشية احتلال فلسطين عام 48، وقد نصت بنوده الأساسية على: 1) تكريس الوساطة الدولية بين العرب والكيان الصهيوني، 2) التفاوض على حل سلمي، و3) إقامة علاقات بين الأطراف “المتنازعة”، على خلفية أمر واقع هو الاحتلال كان يفترض أن يقبل به العرب لتتم تلك الوساطة والمفاوضات والعلاقات… وعليه من المستغرب أن يرفض البعض القرار 242 ليوافق على القرار 194.
وقد تضمن القرار 194 بنداً حول حق العودة الإنساني للاجئين كجزرة أو كطعم يقنع الدول العربية بقبوله. ولذلك أيده الكيان الصهيوني (عن غباء يا ترى؟)، ورفضته الدول العربية والاشتراكية آنذاك، وما زالت مبررات رفضه قائمة، وهي أنه يفرض أمراً واقعاً مجحفاً، هو احتلال فلسطين، وتكريس احتلال فلسطين هو بيت القصيد.
ثم تعالوا ندقق معاً في البند المتعلق بحق العودة الإنساني في القرار 194. فما نص عليه القرار ليس “حق العودة” بالمطلق كما يظن بعضنا، وليس التأكيد على ملكية اللاجئين للأراضي والبيوت التي توارثوها أباً عن جد، بل جاء النص دقيقاً في التعاطي مع قضية اللاجئين كقضية إنسانية، لا كقضية سياسية، وبما لا يمس مكاسب الحركة الصهيونية على الأرض، أي بما لا يغير الأمر الواقع: الاحتلال. ومن هنا، ارتبط “حق العودة” في القرار 194 بشرطين متضمنين في ذلك البند هما: 1) اقتصار “حق العودة” على “الراغبين بالعيش بسلام مع جيرانهم”، أي مع الغزاة اليهود، وهو ما ينفي حق المقاومة ويربط العودة بالاعتراف بالكيان، 2) على أن يتم ذلك “في أقرب موعد عملي ممكن”!! لكن ممكن وعملي بالنسبة لمن؟ للكيان الصهيوني طبعاً. لأن أكثر شيء عملي وممكن بالنسبة للاجئ هو العودة إلى بيته. فما دام اليهود لا يجدون موعداً عملياً ممكناً، فإن أقرب موعد عملي وممكن لعودة اللاجئين بالنسبة إليهم يصبح: أبداً!
وليعلم القارئ الكريم أن الساسة الغربيين، ووسائل الإعلام الغربية الرئيسية، بشكل عام، ناهيك عن جمهور اليهود، ترى عودة اللاجئين الفلسطينيين خطراً على أمن “إسرائيل”، وعلى هوية “الدولة اليهودية الوحيدة في العالم”. وبالإمكان التحقق من هذا الأمر من خلال مراجعة موقف بعض وسائل الإعلام الغربية الرئيسية من “حق العودة”، وكيف ترى أن القرار 194 لا يلزم “إسرائيل” بإعادة اللاجئين. ويا حبذا لو قام القارئ بوضع العنوان التالي في أي محرك بحث على الإنترنت ليجد المادة التي تعالج هذا الموضوع: “كيف تغطي وسائل الإعلام الغربية مفهوم العودة الفلسطيني؟”.
القرار 194 عبارة عن سراب، ومن يربط العودة به يربطها بالخيبة. وقد كانت له أهدافه الصهيونية التكتيكية عندما أقر، ولم تعد تلك الأهداف قائمة. الكيان الصهيوني يقول الآن أن القرار 194 له عدة تأويلات قانونية، والغرب يتبنى التأويل الصهيوني للقرار. فعلى من نضحك هنا سوى على أنفسنا؟! والقرار 194 يصبح هكذا نافذة لتمرير الاعتراف بالكيان الصهيوني، دون عودة فعلية، بعد أن رفضنا الاعتراف وطردناه من الباب. ومن يرى منا ضرورة استغلال القرار 194 إعلامياً في مقالة بلغة أجنبية مثلاً فتلك قضية ثانوية تعود له، ولكن لا يجوز أبداً ربط إستراتيجية العودة بأي قرار دولي أو بأية “شرعية دولية”…
لقد انتقل ما يسمى “المجتمع الدولي” الآن إلى التفكير بحل “مشكلة اللاجئين” عن طريق خلق آليات تمثيل خاصة بهم تساعد بتخفيف معاناتهم الإنسانية وتزيل هذه العقدة من طريق مفاوضات الحل النهائي، بعيداً عن العودة. هذا ما وصلت إليه قضية اللاجئين عند “الشرعية الدولية” اليوم لمن يريد أن يربط العودة بها. ومبادرة السلام العربية جزءٌ من هذا التوجه، فهي تتحدث عن “حل يتفق عليه لمشكلة اللاجئين وفقاً للقرار 194”! أما من يفكر بالعودة فعلاً، فعليه أن يفكر بالسلاح. فلا عودة بدون تحرير.
– البند 11 للقرار 194:
نلخص فيما يلي بعض أبرز النقاط حول تهافت ربط العودة بالقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، بعد أن وضعت الحرب العربية-“الإسرائيلية” الأولى أوزارها. ونعتمد أدناه على النص الإنكليزي للقرار، حيث لاحظنا نقاط ضعف في الترجمة العربية التي يستند النقاش إليها:
1) لم يصدر القرار 194 بغرض تثبيت عودة اللاجئين كما يتوهم البعض. فهو قرار من خمس عشرة فقرة، لا يتناول اللاجئين منها إلا بندٌ واحدٌ: البند الحادي عشر. وهو يتناول اللاجئين بطريقة عرضية، لا كموضوع رئيسي. وهناك ثلاث فقرات عن حرية الوصول للأماكن المقدسة، والباقي عن آليات “تسوية النزاع”، ومنها مثلاً البند الرابع الداعي لإقامة اتصالات مباشرة بين الأطراف، والبند السادس الداعي للوصول لتسوية نهائية (منذ اربعةً وستين عاماً)!
2) ويتألف البند الحادي عشر من القرار من 122 كلمة، من أصل 1116 كلمة لكل بنوده (بالإنكليزية). ومن تلك الكلمات ال122، ثمة واحدٌ وخمسون كلمة تكلَف فيها “لجنة المصالحة”، التي شكلتها الأمم المتحدة ل”حل النزاع”، بإعادة اللاجئين وتوطينهم وتأهيلهم وتعويضهم… فالتوطين والتعويض كبديل للعودة مطروحان بالبند 11 على قدم وساق مع العودة المزعومة.
3) وثمة حديث هلامي معوم في البند الحادي عشر للقرار 194 عن عودة لاجئين إلى ديارهم، وبالتعويض إذا لم يرغبوا بالعودة. ولا تحديد هنا إذا كان المقصود هو عودة اليهود إلى الدول العربية مثلاً، أم ماذا، ولا إذا ما كان التعويض “عن الممتلكات” في الدول العربية أم في فلسطين المحتلة أم كليهما، أم أن اللجوء باللجوء، والتعويض بالتعويض، لتبقى النتيجة صفراً مكعباً بالنسبة للجوء الفلسطيني، بما أن اليهودي العربي لجأ وفقد ممتلكاته أيضاً، كما يكرر القادة الصهاينة دوماً.
4) والبند الحادي عشر من القرار 194 يربط العودة المزمعة أمنياً بالرغبة “بالعيش بسلام مع جيرانهم”، فمن يميز اللاجئ الراغب بالعيش بسلام تحت الاحتلال يا ترى ممن يبيت نوايا مقاوِمة خبيثة وشريرة لتحرير أرضه (والإنسان كائن غامض بطبعه)؟!! القانون الدولي أم الاحتلال الصهيوني نفسه؟ الأساس هنا إذن إثبات الرغبة بتقبل الاحتلال الاستيطاني، وليس العودة.
5) والبند الحادي عشر من القرار، يتحدث عن “السماح” بالعودة للاجئين، في “أقرب موعد قابل للتطبيق”، “من قبل السلطات المسؤولة”، أي أن الاحتلال اليهودي في حالة اللاجئ الفلسطيني، هو المعني بتحديد موعد العودة، وليس الأمم المتحدة التي تترك الأمر منوطاً به! أضف الاعتبار الأمني، المتعلق بربط العودة بكشف نوايا اللاجئ الدفينة من ناحية رغبته بالعيش بسلام مع الاحتلال، ليتم تأجيل العودة لأمد غير مسمى.
6) وهنالك تأويلات قانونية عدة تفرغ البند 11 تماماً من مضمونه، حتى كقشرة لقرار مثل 194 مضمونه الحقيقي هو شرعنة الاحتلال اليهودي للقدس، التي كان يفترض أن تكون دولية حسب القرار 181، أو للأراضي “المخصصة للعرب”… ومن هذه التأويلات أن البند 11 ينطبق على لاجئي عام 48 ولا يشمل أبناءهم وأحفادهم، ومنها أن المسؤول عن اللجوء هو الدول العربية، وبالتالي فإنها تتحمل مسؤوليتهم ومسؤولية تعويضهم، الخ… وبالنهاية، من يضمن أن يسود التأويل القانوني الفلسطيني على تلك التأويلات؟! الدول العربية “المعتدلة” أم “اليهود التقدميون”؟!
والخلاصة تبقى: لا عودة بالقرار 194. فلا عودة بلا تحرير. ولا تحرير إلا بالعمل المسلح.
وهذا هو البرنامج الوطني الفلسطيني، والقومي العربي، فيما يتعلق بقضة اللجوء الفلسطيني، استناداً للميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل، والميثاق القومي من قبله، وهو البرنامج الوحيد الذي حظي بإجماع وطني فلسطيني منذ نشأت القضية الفلسطينية في التاريخ المعاصر. ويقول هذا البرنامج أن فلسطين عربية من البحر إلى النهر، وأنها لا تحرر إلا بالكفاح المسلح، ويقول في المادة الرابعة والخامسة أن الهوية العربية الفلسطينية لا تزول بالشتات، ويقول في المادة الواحدة والعشرين: الشعب العربي الفلسطيني معبراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو تدويلها. وتضيف المادة الرابعة من الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل: إن الاحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وانتمائه الفلسطيني ولا ينفيانهما، وأن تلك الشخصية تنتقل من الآباء إلى الأبناء. ونستدل من هذا على رفض التوطين كأحد المشاريع الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.
أما البرنامج الوطني الأردني الذي يسهم بحل مشكلة اللاجئين، فهو ذاك الذي يعلن بطلان معاهدة وادي عربة ويتبنى مشروع تحرير فلسطين، ويستعد بالتالي لتحويل الأردن إلى إحدى حواضن مشروع التحرير. وما عدا ذلك فإن الحديث عن “إعادة” اللاجئين، كبديل للعودة، بلا تحرير، وبلا مشروع حقيقي لمناهضة الإمبريالية والصهيونية، لا يتجاوز نطاق الهتافات والهتافات المضادة في مباريات فريقي “الوحدات” و”الفيصلي”، أي أنه يختزل قضية التحرير والعودة في مشكلة صراع داخلي، وهو ما يريده العدو الصهيوني بالضبط. واللاجئ يصبح استحقاقاً باهظاً لما يسمى “السلام” مع العدو الصهيوني فقط حين تغلق الحدود العربية في وجهه، وحين تصبح المقاومة، “جسر العودة”، متعذرة. فالمعاهدات والتطبيع مع العدو الصهيوني أساس مشروع التوطين. ولا بد من إيقاف التطبيع وإعلان بطلان المعاهدات مع العدو الصهيوني وإيقاف مهازل الحلول المقترحة تسووياً لمشكلة اللجوء وفتح باب المقاومة وإعادة إحياء مشروع تحرير فلسطين قبل الحديث عن مشكلة التوطين. عموماً فلسطين كلها لا تزال محتلة بشكل أو بأخر. حتى غزة المتخمة باللاجئين، إلى درجة أصبحت تمتلك معها أعلى كثافة سكانية في العالم، لا تزال محاصرة، ولا يزال الكيان الصهيوني يسيطر على أجوائها ومائها ومنافذها، ما عدا معبر رفح مع مصر الذي يعتبر معبراً مقيداً لمرور الأشخاص، لا البضائع. والقصة باختصار: تجميد التناقض مع العدو الصهيوني يعني تحويل اللاجئ لمشكلة داخلية بدلاً من أن يكون رأس حربة في الصراع مع العدو الصهيوني كما كان عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة. لكن اللاجئ، مثل كل عربي شريف، لم ولن يقبل بديلاً عن فلسطين إلا فلسطين. ومهما امتدت سنوات اللجوء، فإن حق الأمة بأرضها لا يسقط بالتقادم. وقد ولدت أجيال بعد أجيالٍ من اللاجئين في الشتات وهي لا تزال تنسب نفسها لفلسطين العربية. فهي ذاكرةٌ جمعية تتحدى الزمن، وتتفوق على النسيان، وهي الضمان بأن فلسطين ملك الأمة العربية من نهرها إلى بحرها، لن ننساها أبداً.