في وقت سابق من العام الدراسي الماضي أثارت الأونروا ضجة عارمة بسبب قرارها تدريس ما يسمى بـ”الهولوكست”، في سياق مناهجها، ولكنها تراجعت عنه بسبب المعارضة الشديدة التي تعرضت لها، وتهديد معلمي الوكالة بتنفيذ “إجراءات تصعيدية ومقاطعة تدريس المادة والمطالبة بمادة عن القضية الفلسطينية”. لكنها عادت هذا العام لتطرح القضية مجددا.
معلمو وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) رفضوا هذا العام مجددا تدريس المادة في مدارس الوكالة ضمن سياق موادها الإثرائية. وأدانوا، في تصريح أصدروه أمس، “قرار الأونروا بإرجاع تدريس الهولوكست، بعد تجميده لفترة، تحت ضغوط غربية إسرائيلية، برغم نفيها لذلك”.
وأعلنوا عن موقفهم “الحازم والصلب” برفضهم تدريس طلبتهم في مدارس الأونروا ما يسمى “الهولوكست” تحت ذريعة حقوق الإنسان بسبب ما يشكله ذلك من إساءة للقضية الفلسطينية ومن تجهيل للطلبة وتغيير مفاهيمهم نحو عدوهم الرئيسي وهو الاحتلال الإسرائيلي”.
واشار شاكر الرشق، رئيس المؤتمر العام لاتحاد العاملين في الأونروا، إلى موقف الاتحاد بعدم قبول تعليم مادة “الهولوكست” في مدارس وكالة الغوث تحت أي ظرف أو مسمى. وطالب “باحترام حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني ومأساته التاريخية منذ عشرات السنين”، وأكد أن العاملين لن يسمحوا بتدريس “الهولوكست” في مناطق عمليات الأونروا الخمس وهي الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.
اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة رأت أن سعي الأونروا لتدريس “الهولوكست” في مدارسها هو “رضوخ للضغوط الغربية والإسرائيلية، وطمس للحقوق الوطنية الفلسطينية في حق العودة وتقرير المصير”.
ودعت اللجنة، في بيان أصدرته أمس، الأونروا إلى التوقف عما أسمته “محاولات مشبوهة مستهدفة لوعي وذاكرة الأطفال والأجيال الناشئة عبر إبراز صورة اليهود الضحية في تناقض واضح مع تاريخ أسود من الإرهاب والإجرام مارسه العدو الصهيوني وما يزال ضد الشعب والأرض والمقدسات في فلسطين المحتلة”.
وأوضحت بأن “العدل والتعايش السلمي يقتضي استعادة الشعب الفلسطيني لأرضه التاريخية الكاملة، وعودة المحتلين الصهاينة إلى الدول التي جاؤوا منها؛ فالاحتلال بقوة السلاح لا يمنح الأغراب وطناً”.
كما حثت في بيانها أن تعمل الأونروا “على الاهتمام بقضايا اللاجئين الفلسطينيين وبهمومهم الوطنية ضمن مناهج التدريس التي تربط الأجيال بوطنهم فلسطين، وليس محاربتهم برواية صهيونية مخادعة”.
وأشارت إلى أنها تقوم بـ”مراقبة المحتوى التعليمي الذي يتم تدريسه تحت عنوان مفاهيم حقوق الإنسان، لمنع تمرير معلومات تستهدف وعي الطلبة وموقفهم من حق العودة”.
أمين سر اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة، طلعت أبو حاشية، رأى أن إثارة ما يسمى “الهولوكست” رغم تعاقب السنوات على ما زعموا يستهدف تثبيت مزاعم إيجاد ملجأ آمن لليهود في مكان ما من هذا العالم، بحيث بات الاعتراف بالمحرقة يعادل الاعتراف بشرعية الكيان الإسرائيلي وليس فقط حقه بالوجود. واعتبر أن “المبالغة بشأن ما يسمى بالمحرقة تقدم المبررات للكيان المحتل لتجاوز كل الأعراف والقوانين والشرائع الدولية والدينية، تحت حجة أن عدوانهم المستمر ضد الشعب الفلسطيني لا يقارن بما لاقوه من ظلم”.
ولفت إلى “توظيف ذلك إسرائيلياً لابتزاز الدعم العاطفي والمالي والسياسي لكيانه المحتل ولمواقفه من الصراع العربي – الصهيوني؛ إذ لولا أموال التعويضات، والدعم الغربي، لما استمر قائماً حتى الآن”.
وتستهدف الأونروا “تسريب” مادة “الهولوكست” في سياق ما تصنفه بأنه مواد إثرائية إضافية تتعلق “بتعليم وتعلم مفاهيم حقوق الإنسان والتسامح والتواصل اللاعنفي وحل النزاعات”، الذي أدخلته ضمن مناهجها كجزء حيوي من البرنامج التعليمي للوكالة بتمويل ألماني. وأدخلت، في هذا الإطار، “مواد تتحدث عن حل النزاعات والأزمات، وليس الصراع، سلمياً، وإيراد ما يسمى بمعاناة اليهود وضحايا النازية وحقهم في العيش بسلام”. كأنما القضية الفلسطينية لا تعدو أن تكون أزمة بين طرفين وخلافا في وجهات النظر، وليست قضية شعب انتزعت منه أرضه وتم قتله وتشريد من لم يقتل منه، ومن بقي في أرضه ما زال يرزح تحت نير احتلال صهيوني عنصري، يمارس بحق الفلسطينيين أقسى أنواع التنكيل.
يذكر أن الحركة الصهيونية استخدمت المحرقة كأداة لابتزاز العالم بأسره، وعبر كل الوسائل الممكنة، كالسينما وغيرها من وسائل الإعلام. كما كتب عنها مئات الكتب وصدرت عشرات القوانين في دول مختلفة من العالم لتجريم من ينكرها!!
إن محاولة الأنروا المتكررة لفرض تدريس مادة عن المحرقة لا تعدو أن تكون محاولة مكشوفة للتخفيف من هول ما حصل للفلسطينيين وجعله مقبولا في عقول الطلبة، قياسا بما حصل لليهود. المأساة هي أن من تطالب الأونروا بتدريسهم تلك المادة هم من طالهم الصهاينة بمحرقة من نوع آخر وهم الفلسطينيين، الذين لم يكونوا طرفاً في الحرب العالمية الثانية، والذين هم الضحايا الفعليين منذ العام 1948 وحتى اليوم لـ”ضحايا” المحرقة المزعومين. وهذا مع العلم أن ما يزعم اليهود أنهم أصابهم في يُمنع نقاشه تحت طائلة القانون والعقاب في كثيرٍ من بلدان أوروبا الغربية، حيث تمكن “المؤرخون المراجعون” من دحض مقولة “غرفة الغاز” التي لم يقتل شخص واحد فيها، ومن دحض مزاعم الإبادة الجماعية لليهود في الحرب العالمية الثانية، ومن كشف مبالغات الأرقام حول عدد اليهود الذين ماتوا في الحرب العالمية الثانية كغيرهم تماماً بسبب المرض والجوع والقصف والحرب عموماً، لا بسبب أي “محرقة” من نوع خاص بهم بالذات.