دخل طوفان السابع من أكتوبر المجيد شهره العاشر على خيارات بعيدة عن بعضها؛ وقف إطلاق النار قريب قرب الخنصر للبنصر، واتساع المواجهة قريب أيضا، قرب السّبابة والوسطى. تتغيّر المعطيات التفصيلية يوما بيوم، فيما يبدو أن الصهيونيّ وحلفه متعنت في وقف الحرب، أما المقاومة ومحورها فثابتة في الميدان، وهذا ما يجعل قراءة الخطوة التالية صعبا، خصوصا وأنّ هذه المعركة ربما تكون المثال الأوضح للحرب المركّبة* والحرب الهجينة.

1. الساحة الرئيسة (فلسطين) : مع دخول الصهاينة إلى رفح، عادت المقاومة لتكتيك الالتحام المباشر؛ لاستنزاف قوات العدو، بدلا عن تكتيك الكمائن الذي نشطت فيه خلال الشهرين الأخيرين، وتصاعد المواجهات في الضّفة، تحديدا نابلس، طولكرم وجنين.

وقائع الميدان، تفرض نفسها بما نسمعه من توجّه صهيوني في المؤسسة العسكرية نحو الذهاب لإيجاد صيغة لإنهاء الحرب، لا يعكّره إلا تهديد كابينت الحرب بإسقاط الحكومة، إذا ما ذهب نتنياهو وراء الجيش، وتبقى الكلمة الفصل للويلات المتحدة.

المقاومة من جهتها، لا تضغط في الميدان فقط، إنما أيضا في السياسة والإعلام والحرب النفسية، فهناك لقاء جمع خليل الحيّة مع سماحة الأمين أبو هادي، واتصال مطوّل بين الأخ القائد زياد النخالة مع السيد القائد أبو جبريل، وتصريحات الناطق العسكري باسم السرايا المظفّرة، أبو حمزة، لقناة الميادين*** أمس، وما جاء به قبل أيام من إيجاز بالغ الأهميّة في الحرب النفسيّة، بقوله أن بعض الأسرى الصهاينة حاولوا الانتحار، وأن السّرايا بدأت تعامل هؤلاء الأسرى، كما يعامل الصهاينة الأسرى الفلسطينيين (على مبدأ المعاملة بالمثل). تريد المقاومة إيصال رسالة مفادها، أن المفاوضات التي يقال أنها وصلت لأفضل مراحلها (نسبيّا)، لن تكون الكلمة الفصل فيها إلاّ بما يتناسب مع الجهود المبذولة في الميدان.

2. ساحة جنوب لبنان: لم تعد الطريقة التي يدير بها حزب الله الغالب المعركة، مجرد استنزاف للعدو وإسناد للساحة الرئيسة. صحيح أنه يقول ويكرر، أن الجبهة اللبنانية جبهة إسناد، لكنه يريد إدارة المعركة إعلاميا بهذا التوصيف، لضبط الجبهة قدر الإمكان، لكن اتساع نطاق العمليات الحربية، نوع السلاح المستخدم وطبيعة الأهداف لا يمكن أن نصفها إلا بجبهة حرب حقيقية بضوابط وسقوف وحدود، آخذين بعين الاعتبار أن المرحلة القادمة ستكون حربا بلا سقوف ولا حدود أو ضوابط، كما جاء في كلام سماحته، في خطابه الأخير (تأبين القائد أبو طالب)، وحديث نائبه الشيخ نعيم قاسم قبل يومين (أن أي تفكير صهيوني بعملية محدودة سيواجهه الحزب بلا ضوابط أو حدود)، وحتى كلام رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، هاشم صفي الدين في تشييع القائد الحاج أبو نعمة، وكلام أحد المسؤولين عن سلاح المدفعية لقناة المنار.

أقول أن شمال الأرض المحتلّة جبهة حرب لا جبهة إسناد، بناء على المعطيات أعلاه، وطريقة الإعلام العسكري في نشر مقاطع مصورة لا تتحدث عن العمليات التي تنفذها المقاومة، بل عن رسائل مستقبلية بدأت بالهدهد، ولن تنتهي به، لعل أبرزها المقاطع التسعة التي بثها الإعلام الحربي لأول مرة قبل ثلاثة أيام. وعلى كل حال، الحزب أسياد إدارة الحرب الهجينة أو المركبّة.

3. ساحة اليمن: تعمل القوات المسلحة بمسار تصاعدي ثابت، في نوع العمليات، عددها، نطاقها الجغرافي، نوع السلاح، طبيعة السفن المستهدفة، القوة التدميرية، بل وحتّى في تطوير وإدخال أسلحة جديدة. الموقف اليمانيّ أيضا يتجاوز الإسناد ويضع نفسه في مواجهة البحريّة الأمريكيّة، وهذه الأخيرة تريد استمرار الحرب لكن لا تريد اتساعها، وأهل الحكمة اليمانية يفهمون هذه المعادلة جيّدا.

4. جبهتا العراق وسوريا: تقومان بفعل الإسناد؛ الأولى تستهدف حسب إمكانات الطائرات المسيّرة لديها، أهدافا حيوية في نقاط الموانئ (حيفا وأم الرشراش)، وتعمل بشكل مشترك مع المقاومة في اليمن؛ فيما تقدم سوريا الدعم اللوجستي كعادتها، وتفتح جبهة الجولان بما يقتضيه واقع تطور الحدث، فقد يكون للأفغان والعراقيين دور مهم هناك، إذا اتسعت الحرب فعلا.

العدو ليس ضعيفا، هو مدرب ومجهّز ومموّل، لكن المقاومة أصبحت أقوى، وتعرف كيف تدير المعركة ببصيرة، وتعلم أكثر من أي أحد حجم التضحية والمأساة التي يشيب لها الرأس، ولذلك نثق بها.

عن صفحة الرفيق محمد العملة