أخذت الإنزالات الجويّة التي نفّذتها “قوّات عسكريّة عربيّة” بالتعاون مع الأمريكان والفرنسيين مساحة واسعة في الإعلام، بل وأعلن الصهاينة أنها تمت بالتنسيق معهم، وإن كان الصهيونيّ يستثمر في كل خبر بسبب ضبابيّة التصريحات الرسميّة العربيّة!

على كل حال؛ لم تكن الإنزالات للسلاح أو الجنود، إنما لمجموعة أو عيّنة طرود من” المساعدات” سقط جزء منها في البحر، قرب المنطقة الجنوبية لساحل غزّة.

توقيت الإنزال، مكانه ومن نفذّه، يحمل أثرا سياسيّا، يتجاوز الاستعراض الذي حصل، ويمثّل الموقف الحقيقيّ الذي يعكس ارتداد ما يحصل في الميدان، وأروقة المفاوضات، ويمكن تلخيصه:

1. الدّول العربيّة التي نفذّت الإنزال هي الإمارات، الأردن ومصر؛ الأخيرتان من دول الطّوق التي تملك حدودا مباشرة مع فلسطين المحتلّة، ومصر تحديدا تملك (حسب ما يفترض) سيطرة على معبر رفح البريّ.

اللجوء للإنزال الجويّ تمثيل لانعدام الإرادة السياسيّة، انخفاض سقف الأنظمة العربيّة وعدم الالتفات لإرادة الشعب العربيّ.

2. حكومات الدول العربية التي نفذت الإنزال تملك كلها اتفاقات تطبيع مع العدوّ الصهيونيّ، لتمرير رسالة غير مباشرة مفادها، أن التطبيع مفيد لمد يد العون تجاه أهلنا في الأرض المحتلّة، وتسويقه على أنّه الطريقة الرسمية النقيضة لما تقوم به جبهات المقاومة في كل ساحاتها، بما فيها ساحة غزّة.

3. الطريقة الاستعراضية للإنزال تحاول تصوير ما تعانيه غزّة أنّه كارثة طبيعية، كزلزال أو فيضان، وأن أهل غزّة المنكوبين يقتصر تقديم العون لهم على المساعدات، ولو كان الأمر كذلك، لم يكن طوفان الأقصى ليحدث أصلا. إن هذه النقطة تلغي تماما أن هناك نضالا وقتالا ومشروعا لتحرير أرض محتلّة، وتقصر الأمر على حاجات الإنسان الفطريّة من مأكل ومشرب (ويا ليت أنها كانت كافية لأهل القطاع، بل هي فتات).

4. الإنزال بالتنسيق مع الأمريكي الشريك في العدوان، والفرنسيّ الذي يلعب دور راعي المفاوضات المنحاز للعدوّ (تذكّروا زيارة ماكرون لتل أبيب في الأسبوع الأول ما بعد الطوفان)؛ فكيف يستقيم ذلك؟ هذا دون الأخذ بما يقوله الإعلام الصهيونيّ رسميّا، أنّ الإنزال تم بالتنسيق معهم.

5. الضغط على المقاومة بتجويع حاضنتها الشّعبيّة، ثم يأتي الإنزال بنزر يسير لا يكفي، ليخلق حالة بلبلة وزعزعة للحاضنة، ثم يتحول لورقة في مسار التفاوض، على طريقة حصار العراق سابقا؛ النفط مقابل الغذاء، وفي حالة غزّة، الأسرى مقابل الغذاء؛ ولا حديث عن رفع للحصار أو وقف للعدوان أو أي أمر آخر.

إن هذه الإنزالات وسيلة الحكومات للتنصل من مسؤولياتها تجاه قضيّة مركزية؛ أن تنسحب مصر من معبر رفح كأنه يقع ضمن حدود دولة أخرى، وأن توهمنا حكومة كل من الإمارات والأردن أن الجسر البريّ لإمداد الكيان الصهيونيّ، لا يبدأ في الأولى وينتهي في الثانية.

لقد قدّم طوفان الأقصى للنظام الرسميّ العربيّ فرصة ذهبيّة للمناورة السياسيّة وإسناد المقاومة في كل ساحاتها، لكن هذه الأنظمة حولت الفرصة لغصّة إما بحياد سلبيّ، أو بمزيد من الإذعان، وحتى لدرجة التواطؤ مع العدوان عند بعض منها.

مشهد الإنزال هذا يتزامن مع استمرار إنزال الصواريخ والقنابل على سوريا، العراق، اليمن، جنوب لبنان وكل من يدفع ضريبة الدم مع غزّة.