1. مشهد نتنياهو في مؤتمره الصحفيّ أمس إلى جانب المعتوه “سموتريتش” يعكس حجم الانقسام والفوضى داخل أروقة القرار الصهيونيّ. لم يحقق العدوّ أي منجز عسكريّ حتى اللحظة؛ على العكس، هناك خسائر يومية في جبهتي غزّة وجنوب لبنان، مع تصعيد أكبر تأخذ المقاومة زمام المبادرة فيه ردّا على استهداف الضاحية واغتيال الشهيد العاروري. حزب المعسكر بقيادة “غانتس” يصعّد في الشارع، ليفضح ما تبقّى من انقسام واضح في حكومة الحرب، متماشيا مع معظم قيادات الصهاينة المتقاعدين والمعارضين، الذين يرون أن الإنجاز الوحيد لدرء ما حدث في الطوفان هو قبول الهزيمة وإزاحة نتنياهو.
2.هناك أيضا أصوات تتعالى في “الشارع” الصهيونيّ، نتيجة الحرب النفسيّة التي تمسك المقاومة خيوطها في ملّف أسرى العدوّ.
3.سحب الألوية الصهيونية من شمال القطاع ليس إطارا لمرحلة ثالثة ولا ما يحزنون. بحسبة بسيطة، تعداد الجيش الصهيونيّ يقارب 150 ألف جندي، حوالي 30 ألفا منهم في ألوية النخبة مثل”: جفعاتي وجولاني، والبقية هم جنود في الخدمة الإلزامية. ألوية النخبة تلقت الضربة الأكبر مع بداية التوغل البريّ، الذي أرادته المقاومة منذ البداية (ولأجله كان الطوفان)، ومع امتداد الحرب وعدم تحقيق أي شيء سوى التدمير، بات لزاما سحب ما تبقى من” نخبة” وحصر التوغل البريّ في نطاقات محدودة. (المنطقة العازلة لا يعوّل عليها، ولها سياق آخر نتحدث فيه).
4.في المشهد الثاني يأتي محورنا الجبّار، وسأتكلم هنا استنادا على القول الفصل من خطاب سماحة السيّد قبل أيام، عندما تحدّث عن المصلحة الوطنيّة لكل دول المحور.
5.اليمن… اختار هدفا يحمي نفسه بنفسه، فالبحران العربي والأحمر مغلقان أمام السفن الصهيونيّة أو الذاهبة نحو الكيان، لكنهما مفتوحان لبقيّة السفن. ما يسمونه حلف “حارس الازدهار” الذي تزعمته الويلات المتحدة، مكبّل وغير قادر على شيء، لأن أي تصعيد يعني إعلان حرب وإغلاقا كليّا لمضيق باب المندب، وبالتالي تتوقف معه حركة كل السفن إلى الكيان أو أي مكان آخر. لهذا كلّه العدو مأزوم ومكبّل في هذه الجزئية ولم يقدر على شيء نحو اليمن، الذي حصلت فيه بوادر وحدة وطنيّة جمعت أنصار الله وخصومهم حول القضيّة، وتلك المصلحة الوطنية التي تحدث عنها سماحته في خطابه، وليس مستبعدا أن يذهب اليمانيون بخطوة أخرى نحو فرض مطلب الاعتراف عالميّا بحكومة صنعاء التي يقودها أنصار الله (وزير خارجية أميركا “بلينكن” خلال جولته أمس في المنطقة، هاجم أنصار الله بعد أن انفرط عقد “حارس الازدهار” بانسحاب ثلاث دول أوروبية منه؛ فلماذا لا يكون الاعتراف باليمن الجديد ثمنا يحققه الطوفان؟)
6.العراق… استهداف القواعد الأميركيّة داخله وفي سوريا؛ لكن الأمر المهم جدا، الذي لم يستطع أي محللّ أو قارئ للمشهد منذ الطوفان حتى السّاعة أن يلتقطه، أن المصلحة الوطنية التي حددها السيد في خطابه، أنه يربط استهداف المقاومة العراقيّة للقواعد الأمريكيّة بتحرير شرق الفرات، ليتجاوز مسألة طرد الأمريكان من العراق، إلى طردهم من العراق وسوريا معا (لهذا نجد توافقا في الموقفين الرسمي والمقوم داخل العراق).
7.سوريا… لا شك أن طرد الأميركيين من شرق الفرات يعني عودة النفط الذي يسرقه الأمريكان والأتراك إلى الدولة في سوريا. نفط أكثر، يعني كهرباء أكثر، وشريان حياة للعجلة الاقتصاديّة، بما يتجاوز قانون قيصر الظالم، وعلى المدى البعيد، يسهم في عودة الكثير من اليد السورية العاملة التي خرجت بفعل الحرب الكونيّة على عرين العروبة في السنوات الماضية إلى موطنها. سأكون متفائلا أن أقول أيضا، أن المصلحة الوطنية السوريّة في جانبها العسكري قد تتحقق بتعزيز جبهة المقاومة في الجولان (التي بدأ تأسيسها قبل سنوات)، وفي توقف القصف الصهيونيّ على مطارات دمشق وحلب، مما يعني تأمين طريق الإمداد اللوجستيّ لسلاح المقاومة.
8.لبنان… في الوقت الذي تتصاعد فيه الجبهة شمال الأرض المحتلّة، ومع إقدام الصهاينة على حماقة استهداف الضاحية واغتيال الشهيد العاروري، جاء الرد الأولي بقصف قاعدة “ميرون”. خطابا السيد الأخيرين كان محورهما تقديم الذرائع للجميع أن دخول الحزب للحرب لم يكن فقط إسنادا لغزّة، بل كمصلحة وطنيّة خالصة، لإسكات الأفواه الصهيونية داخل لبنان، ورغم أن الجبهة مضبوطة بقواعد اشتباك حددتها المقاومة على مر السنين، ومراعاة لظرف لبنان الخانق، إلا أن حماقة استهداف الضاحية بكسر هذه القواعد، فتحت على نتنياهو باب حرب هو في غنى عنها. بلينكن لم يأتِ أمس للمنطقة إلا لإيجاد مخرج دبلوماسي لهذا المأزق، والسيّد في خطابه عرف كيف يفكّر الصهيوني مسبقا، لذلك ربط المصلحة الوطنية بتحرير كل مزارع شبعا، والغجر، وتلال كفرشوبا، طبعا بعد وقف النار في غزّة.
سماحته هنا يرمي ورقة جعلت الصهيوني في وضع خطير، لأنه يجعل معركة الصهاينة مع لبنان تبدأ بعد وقف المعركة في غزّة، هذا أولا.. ثانيا؛ السيد يضع تحرير الأرض اللبنانية كهدف مفروغ منه، إما دبلوماسيا بعدم فتحة جبهة حرب شاملة، أو بالحرب المبررة ردا على استهداف الضاحية وكسر قواعد الاشتباك. ثالثا، بات ضمنيا أن الانسحاب وراء نهر الليطاني ليس مطروحا للنقاش عند المقا.و.مة، بل المطروح هو عدم عودة صهاينة المستعمرات إلى مستعمراتهم شمال الأرض المحتلة.
9.إيران… الاستهداف عند مدفن الشهيد سليماني تبنّته داعش؛ أي أن العدو لا يريد التصريح بخطوته التي قد تفتح حربا صريحة عليه. الإيرانيون بارعون في الشطرنج، ويمارسون السياسة بفن؛ لذلك توقعوا الرد في أي ساحة طال الزمان أم قصر
10.فلسطين… كل ما سبق يجري الحديث عنه ببركات الطوفان (كما أسماه السيّد)؛ المقاومة ملتزمة بمطالبها التي تبدأ بتبييض السجون، ورفع الحصار، ووقف الاستيطان، وصولا لإعلان دولة فلسطينية وانتخابات ستصل بالمقاومة إلى الضفّة، وخنق حثالات التنسيق الأمنيّ. قد لا تتحقق المطالب جميعها دفعة واحدة، لكن ثبات المقاتلين المشهود، يدفع كثيرا للتفاؤل.
الطوفان حدث استثنائي؛ ولا بدّ أن تكون نتيجته استثنائية على المحور كلّه.
كتب الرفيق محمد العملة