صفقة الغاز الصهيونية مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية
2014-12-17
د.إبراهيم علوش
البناء 17/12/2014
وقفت أغلبية أعضاء مجلس النواب الأردني ضد شراء شركة الكهرباء الوطنية للغاز الصهيوني، خلال مناقشتهم لتلك الصفقة الأسبوع الماضي، فاعتبرت الحكومة الأردنية ذلك “توصية” غير ملزمة، وأعلنت أنها ماضية بتوقيع الصفقة التطبيعية على عاتقها، متجاوزةً اعتراضات النواب كأنها تُرّهات خطابية لا أكثر. فالقرارات المصيرية في البلاد لا تؤخذ على مستوى مجلس النواب، أو حتى الوزارات والوزراء…
لو كانت قرارات مجلس النواب بصدد شركة الكهرباء الوطنية الأردنية ملزمة لما اختلف الأمر كثيراً، فقراراته يجب أن يقرها أيضاً مجلس الأعيان (الذي يعين تعييناً)، ناهيك عن الكوابح الدستورية والقضائية المسيطر عليها جيداً ودور الدولة الوازن في تشكيل المجلس النيابي نفسه (مما يوصل جلسات سحب الثقة إلى تجديدها)، وهنالك أيضاً قانون الصوت الواحد المفصل لإنتاج نواب خدمات مناطقية بدلاً من نواب وطن، وهذا غير تقليم صلاحيات مجلس النواب قانونياً. مثلاً، أي قانون يريد المجلس تمريره يجب أن تتم صياغته، حسب الدستور، من قبل الحكومة وديوان التشريع، أي أن الحكومة هي المعنية بصوغ القوانين التي يرغب النواب بإمرارها، كما أن النظام الداخلي للمجلس يجعل جلسات المناقشة العامة مجرد جلسات لتبادل وجهات النظر!!!! (أنظر وليد حسني في “العرب اليوم” في 14 كانون أول 2014).
لطالما نبه من يدركون مثل هذه الحقائق الأردنية وسائل إعلام المقاومة من ألا تتحمس كثيراً بشأن أخبار من نوع: مجلس النواب الأردني يقرر طرد السفير الصهيوني، أو إعلان بطلان معاهدة وادي عربة، أو… أو…!! لأن مجلس النواب لا يملك من أمره شيئاً مصيرياً، بالرغم من حسن نوايا بعض النواب الوطنيين، إذ تبقى قيمته محض إعلامية للدولة إزاء: 1) الدول المانحة، 2) أي مطالبات بـ”الإصلاح الديموقراطي”، و3) أي تأجج عابر في الرأي العام الأردني.. عندما اغتال الصهاينة القاضي رائد زعيتر بدمٍ بارد مثلاً أو منعوا الصلاة في المسجد الأقصى المشمول بالوصاية الأردنية. وبعد تخطي ذلك فحسب، يمكن وضع أي موقف حقيقي يعبر عنه بعض نواب المجلس في خانة الدفاع عن القضايا الوطنية والقومية.
كان الرد “المفحم” لرئيس الحكومة عبدالله النسور على اعتراضات النواب أن العجز المتراكم في موازنة شركة الكهرباء الوطنية يثقل كاهل الموازنة الحكومية ويدفعها للإفلاس، وأن بديل شراء الغاز الصهيوني المسروق هو انقطاعات يومية مبرمجة للتيار الكهربائي تصل لثماني ساعات يومياً ورفع أسعار الكهرباء بشدة. ومع أن الرفع التدريجي لأسعار الكهرباء بدأ وسيستمر، كما أعلنت الحكومة، بالرغم من انخفاض أسعار النفط عالمياً، فإن ما يعنينا هنا هو المفارقة التالية: تنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة والثلاثين من الدستور الأردني على أن “المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات او المساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة”، أي مجلسا النواب والأعيان، لكن الحكومة تزعم أن صفقة الغاز الصهيوني التي لا دخل لمجلس الأمة فيها سببها العجوزات الضخمة لشركة الكهرباء الوطنية الأردنية البالغة نحو 4،4 مليار دينار، أي ستة مليار دولار ونيف، حتى نهاية شهر أيلول 2014، أي حوالي ربع الدين العام الأردني البالغ 20 مليار دينار ونيف!
وكانت شركة الكهرباء الأردنية قد تمت تجزئتها وإعادة هيكلتها قانونياً وخصخصة الوحدات المربحة فيها المختصة بتوليد الكهرباء وتوزيعها، أما شركة الكهرباء الوطنية الأردنية التي التزمت بيع الطاقة بسعر ثابت لوحدات توليد الكهرباء فبقيت ملك الدولة لتتحمل عجوزاتها (أي أرباح الوحدات الأخرى). وفي سياق عملية الخصخصة وإعادة الهيكلة تلك وُضِع بند في قانون هذه الشركة الحكومية مئة بالمئة، التي تتحمل الدولة عجوزاتها، ينص على أن الحكومة لا يحق لها التدخل في عملياتها وقراراتها ما دامت ضمن نطاق غاياتها المسجلة، ومنها شراء الغاز الطبيعي وبيعه لشركات توليد الكهرباء! وهي النقطة التي التقطتها الناشطة زينة أبو عناب في ورقة أعدتها لورشة عمل خاصة بصفقة الغاز التطبيعية مع العدو الصهيوني سيتم نشرها مع بقية أوراق تلك الورشة في كراس سيصدر قريباً. ويشار أن ستين نائباً وجهوا استفساراً للمحكمة الدستورية لإعادة تفسير الفقرة 2 من المادة 33 من الدستور الأردني، وما إذا كانت تنطبق على شركة الكهرباء الوطنية الأردنية، وكان ديوان تفسير القوانين قد اعتبر أن الشركة تقع خارج نطاق صلاحيات مجلس الأمة!
من ناحية أخرى، ليس صحيحاً البتة أن الأردن لا يمتلك سوى خيار شراء الغاز الصهيوني المسروق، بعد تفجير انبوب الغاز المصري للأردن حوالي 26 مرة مع شهر تشرين أول 2014. فهناك مثلاً عرض الغاز الإيراني عبر أنبوب الصداقة، وخط النفط والغاز العراقي للعقبة الذي يستمر العمل فيه، وحتى لو نحينا جانباً كل الجدال الحار في الأردن حول حجم مخزون النفط والغاز فيه، فإن المؤكد هو أن الأردن يحتوي رابع (وبعض المراجع تقول ثاني) أكبر مخزون مثبت عالمياً من الصخر الزيتي تقول المراجع الرسمية الأردنية أن إنتاجه سيظل مجدياً حتى مع انخفاض أسعار النفط. وقد وضع المهندس أيمن الرمحي ورقة لورشة العمل الخاصة بصفقة الغاز التطبيعية التي أقيمت في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية استعداداً للتحرك ضد تلك الصفقة استعرض فيها بدائل الطاقة الأردنية المحلية، ومنها الصخر الزيتي الذي أوضح الرمحي أن احتياطياته حسب وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية تبلغ زهاء 70 مليار طن، وهو ما يتيح للأردن أن يستخرج مليارات الأطنان من النفط ليستهلك ويصدر… ويشبع. عنزة ولو طارت! ولكن مرة أخرى، اضمحل توجه النواب لسحب الثقة من الحكومة بقدرة قادر. فهي صفقة ثبت علناً الآن أنها تمت برعاية كيري والسفارة الأمريكية في عمان.