6/10/2014
تبيّن مؤخراً توقيع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية خطاب نوايا غير ملزم مع تحالف من الشركات الكبرى تمهيداً لتوقيع اتفاقية لشراء الغاز المسروق من قبل الكيان الصهيوني، تحديدا من الحقل المسمى بحقل ليفياثان (Leviathan) الذي لن يبدأ تشغيله قبل العام 2017. تحالف الشركات الذي يخطط لتطوير وتشغيل الحقل المذكور ترأسه شركة نوبل الأمريكية –الاتفاق كاملا يجري بالتنسيق مع ودعم من الحكومة الأمريكية– ويضم مجموعة شركات صهيونية. الإتفاقية المزمع عقدها قبل نهاية هذا العام تبلغ قيمتها 15 مليار دولار وتربط الأردن بالتزامات للكيان الصهيوني على مدار خمسة عشر عاماً مقبلة.
إن هذه الإتفاقية تأتي كاستمرارية لعلاقات الأنظمة العربية العميلة مع الكيان الصهيوني وفي سياق تواطئها معه ضد شعوبها. إنه لمن من أوضع درجات الخيانة أن تشتري ما هو لك من عدوك.
هذه الصفقة إذا تمت تخدم مصالح العدوّ الصهيوني بشكل أساسي. إن حجم الآبار وكلفة إسالة الغاز ونقله غير مجدي اقتصاديا للكيان الصهيوني إن أراد تصديره، وبالتالي يصبح الخيار الأمثل له هو التصدير للدول المجاورة لفلسطين المحتلة ونقل الغاز من خلال الأنابيب بدلاً من إسالته ثم نقله. كما أن عجز تحالف الشركات الكبرى المنفذّة للمشروع عن توقيع عقود شراء وتوفير سيولة نقدية قبل نهاية هذا العام بات يهدد استمرارية المشروع. من هنا فإن قبول كل من الأردن ومصر استيراد الغاز العربي من الكيان الصهيوني (بعد أن وقعت السلطة الفلسطينية عقدا لشراء الغاز) هو بمثابة طوق نجاة له ولتحالف الشركات، وليس لنا!
إلا أن مخاطر هذه الاتفاقية تتجاوز دعم العدو الأكبر في المنطقة اقتصاديا بشكل ممنهج ومستمر، بل إنها تربطنا به بشكل مصيري. فطاقة الكهرباء مسألة حيوية وسيادية للدول، ترتبط بكافة مناحي سير مؤسسات الدولة وحياة الفرد اليومية، ولا يمكن حفظ مخزون احتياطي منها؛ أي أن تهديدها يعني تهديدا لكل نمط حياتنا المعاصرة. كما أن الاعتماد على مصدر وحيد لتزويد الأردن بطاقة الكهرباء هو ضرب من التهور والاستهتار السياسي، يضع الأردن في تبعية اقتصادية كاملة للكيان الصهيوني، مما يشكّل مدخلا للابتزاز وتغليب مصالح العدو على مصالحنا. وهو ما يندرج على أية حال ضمن المخطط الصهيوني في التطبيع / السلام الاقتصادي مع دول الطوق.
علاوة على ماسبق، ومع التأكيد على رفضنا الكامل لأي تعامل مع العدو الصهيوني ويقيننا بأن هذا التعامل لا يمكن أن يصب في مصلحتنا، فإن خبراء الطاقة في الأردن اقترحوا وناشدوا الدولة لسنوات طويلة باتباع سياسات طاقة أكثر جدوىً وديمومةً واستقلالاً. إلا أن النظام متزمت في ابتعاده عن السياسات التي تضعنا في سياق تكاملي وأكثر اتساقاً مع مصالح الشعب العربي والشعوب المجاورة لنا، والتي من الحكمة أن نتحالف معها اقتصاديا عوضا عن تعزيز التبعية المطلقة للقوى الاستعمارية. و إننا بصمتنا عن الدور الذي يقوم به النظام في دعم التدخل والاحتلال الأجنبيين للدول العربية المجاورة مرة تلو الأخرى، تَرَكنا الأردن محاصراً في محيط من الكوارث، فانعدمت روافد تطوير الصناعة والتجارة والزراعة. وها هو النظام اليوم يربطنا بعلاقة مصيرية مع العدو.
وأخيراً وليس آخراً، فإن السياسات التي اتبعها ولايزال يتبعها النظام الأردني زادت من إفقار المواطن بينما هامش الريع لصالح النظام مُصان؛ وها هو الآن يحاول استغلال الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها المواطن لتبرير هذه الاتفاقية بانخفاض سعر التكلفة (المالية)، متناسيا التكلفة الوطنية والسيادية والقومية، ومسؤوليته المباشرة عن الوضع القائم، ناهيك عن عدم وجود أي ضمانة ببقاء تكلفة سعر المتر المكعب أدنى من السعر العالمي، والأرجح هو قيام العدو الصهيوني برفع السعر بذرائع مختلفة بعد تثبيت اعتماد البنية التحتية الأردنية على الغاز المسروق.