كان يُفترض أن تشمل المشاركة العربية هذا العام في مهرجان “سلام أورينت” النمسوي الفنانة السورية لينا شماميان، ومغنية الهيب – هوب اللبنانية لين فتوح الشهيرة بـ”ماليكا” في ظهور مشترك مع فرقة بويكوت الفلسطينية الآتية من رام الله، إضافة إلى الفنان الفلسطيني اللبناني مروان عبادو الذي يظهر كمغنّ وعازف عود مع فرقة آن بينيت وأوتو ليخنر. لكنّ ظهور السفارة “الإسرائيلية” طرفا داعما للمرة الأولى في تاريخ المهرجان، ومشاركتها المباشرة في تمويله، وظهور شمعدان حكومتها إلى جوار شعارات وزارة التربية والتعليم النمساوية والمؤسسات (غير الحكومية) المشتركة في التمويل والتنظيم، والتي تعدّ اختراقا جديدا للوبي الصهيوني للمؤسسات النمساوية، وخطوة ذكية للتغطية على جرائم “إسرائيل” التي تظهر داعما للسلام وللتبادل الثقافي والعيش المشترك… هذه المشاركة “الإسرائيلية” دفعت الفنانين العرب جميعهم إلى الانسحاب رسميا.
وقد أعلن الفنانون العرب بيانات تؤكد انسحابهم من المشاركة في المهرجان “سلام أورينت” النمسوي، وذلك بعد علمهم بأن السفارة “الإسرائيلية” تشارك في التمويل، وبعد ظهور الشعار “الإسرائيلي” على ملصقات المهرجان. وقالت لينا شماميان في بيان الانسحاب أنها تنسحب لأن “المهرجان ككل لديه رؤى مختلفة عن رؤاي كإنسانة وفنانة”. وأضافت “أن مشكلتي ليست مع الدين اليهودي أو ثقافة أي إنسان كما لمّح المهرجان. مشكلتي في قبول التعامل مع السلطة الاسرائيلية وسياستها اللاإنسانية في اغتصاب أرض وهدر حقوق وحياة بشر وبناء جدار عازل لا يمت بصلة لرغبتي في هدم كل الجدران على الأرض بين البشر وأولها الجدران السياسية، وإن كانت رؤى المهرجان الحالية لا تتفق مع رؤيتي كإنسان أولا وكفنانة ثانيا، أعلن كفنانة عربيّة سورية اعتذاري عن المشاركة بحفلات المهرجان لهذا العام، على أمل اللقاء بكم قريبا على أرض الوطن. عسانا نجد حقا بعض السلام” .
أما بيان انسحاب فرقة بويكت فقد ورد فيه “أن هذا النوع من المناسبات يهدف إلى تطبيع العلاقات مع “دولة إسرائيل” عن طريق استغلال الفن والثقافة واستخدامها كوسيلة إعلامية لإخفاء الطبيعة الاستعمارية “لإسرائيل”. إننا كفنانين يجب أن نقوم ببحث قبل أن نشارك في أي مناسبة أو إجراء لقاء كي نكون على دراية بما نحن مشاركون فيه”.
أما ماليكا فقالت في بيانها “عندما أكدت على حضوري لم يكن هناك أي داعم إسرائيلي، وأنا شاكرة جدا لأولئك الذين نبهوني إلى وجود مثل هذا الدعم”. وأضافت “لا أستطيع أن أشارك في مهرجان تدعمه قوات احتلال استعماري، خصوصا إذا كنا نحن من يعاني من هذا الاحتلال”. وأعلن مروان عبادو انسحابه لاحقا رغم أنه يقيم في النمسا ويحمل الجنسية النمساوية.
وأكد الجميع رفضهم استغلالَ الفن لتلميع صورة “إسرائيل”، وأشاروا إلى أن اتفاقات العروض معهم قد تمت قبل انضمام “إسرائيل” إلى قائمة الداعمين.
جدير بالذكر أن “سلام أورينت” الذي تشهده فيينا كلّ خريف، يُعنى بتقديم الموسيقى والرقص والشعر الشرقي وتأثيراتها على نظيرتها في الغرب. ويُعدّ فنانون نمساويّون متأثرون بالشرق، مثل تيمنا براور، المعروفة بميولها الصهيونية المعلنة، والياس مائيري، وأوتو ليخنر، ضيوفا شبه دائمين، والمهرجان يستضيف ضيوفا من مختلف الثقافات المشرقية: تركيا، وسوريا، ولبنان، وإيران…. ولأول مرة هذا العام…. “إسرائيل”.
وإذا كانت موازين القوى الحالية لا تسمح للمنظمات العربية بالمطالبة بإقصاء فنانين صهاينة معلنين (كتيمنا براور) أو حتى فنانين “إسرائيليين”، فإن الموقف المشرّف الذي اتخذه الفنانون برفضهم المشاركة في مهرجان تموله “إسرائيل” هو موقف شجاع حقا، وعلينا مساندتهم بمقاطعة المهرجانات التطبيعية والمطبّعين، وبتوفير فعاليات بديلة تضع الفنان المناضل في مكانه وحاضنته الطبيعية، قلوب الجماهير. ذلك أن انسحابهم هو رسالة تسهم في رفع مستوى الحساسية السياسية لدى المؤسسات القائمة على المهرجانات، وتسهّل حراك المنظمات العربية والتضامنية ضد إشراك المؤسسات “الإسرائيلية” والصهيونية.
ونقول هذا بغض النظر عن النزعات الليبرالية أو التعايشية لبعض المقاطعين، ممن يعتقدون أن المشكلة في بعض سياسات “إسرائيل” وقياداتها الحالية، لا في وجودها ودورها الذي خلقت لتلعبه. ومن هنا فإننا نؤكد أن دعم المقاطعة ليس بديلا عن دعم العمل المسلح ضد العدو الصهيوني، كما يروج بعض القائمين على حملة المقاطعة. كما أن تأييدنا لحملات المقاطعة ضد العدو الصهيوني ومن يسانده ينبع من رفض مبدئي لحق الكيان الصهيوني بالوجود، ومن رفض مطلق للتعايش مع المستعمرين، ومن إصرار لا يتزعزع على عروبة أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، ونرفض استخدام سلاح المقاطعة كأداة ضغط “تكتيكية” للحصول على شروط أفضل للتعايش والتطبيع.