عباس ومحاولته المصرية: من أول هيضاته كسر عصاته

 

ناجي علوش

 

السبيل 2/12/2010

 

محمود عباس العائد من المفاوضات المباشرة بخفي حنين ذهب إلى القاهرة ليطلب من المثقفين المصريين أن يطبعوا مع العدو الصهيوني من خلال السلطة الفلسطينية، بدلاً من أن يشكرهم على موقفهم المؤيد للقضية الفلسطينية، وكأن التطبيع أصبح الشكل الجديد لتأييد القضية! 

 

موقف المثقفين المصريين موقفٌ مشرف في هذا المجال.  ولم تستطيع حكومتهم، بكل ما بذلته لفرض علاقة مستقرة مع العدو الصهيوني، أن تفرض عليهم قبول التطبيع.   

 

نحن نرى أن التطبيع الثقافي يجر وراءه كل أشكال التطبيع الأخرى.  فهل المطلوب أن يحدث التطبيع الشامل قبل الوصول إلى أي اتفاق؟  يبدو الأمر كذلك، مع أننا نرفض التطبيع مع العدو الصهيوني بكل أشكاله، قبل أو بعد أي اتفاق معه…

 

لكن نتنياهو الذي يواجه صعوبات مع اليمين المتطرف يريد أن يأخذ تنازلات محرزة، تبيض صفحته أمام القوى الأكثر تشدداً في المجتمع الصهيوني.  ولذلك بات مطلوباً من عباس أن يفرض التطبيع على القطاعات العربية غير المطبعة لتستمر المفاوضات، أو لكي يُعطى شيئاً مقابل جهوده.

 

وعباس يبحث عن أوراق يلعبها من أجل أن يحصل على شيء مهما كان ضئيلاً.  وقد اختار أن يلعب ورقة التطبيع الثقافي في مصر لأنها ورقة صعبة، ولأن الموقف الصامد والحاسم للمثقفين المصريين يستحق أن يتم البدء به، كي تتبع فيما بعد مواقف مناهضي التطبيع العرب.

 

ولو فكر عباس قليلاً لما فعل ذلك، لأن موقفه إذا قُبل فهي مصيبةٌ ثقافية ووطنية، وإن لم يقبل فهي “بهدلة”، لكنه غامر بالبهدلة وحاول.  لكن الرد عليه وأسلوب الرد، كما ذكر يوسف القعيد في المصور، كان “بهدلة” من طراز فريد، إذ أنه لم يحسب أن المثقفين لهم كرامتهم وصلابتهم، وأنهم لن يسلموا له بسهولة في هذا المجال.

 

ونحن معنيون من الدرس المصري أن يتعلم المثقفون الفلسطينيون كيف يقفون في مثل هذه الحالة، وكيف يردون، وكيف يرفضون الانصياع لدعاة “التطبيع والتسليم”، فهل يفعل المثقفون الفلسطينيون ذلك؟  نحن نأمل هذا، وهنالك قطاعٌ من المثقفين الفلسطينيين فعل ذلك مع عرفات من قبل، وليس بعيداً عليه أن يفعل ذلك مع عباس، وكان اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وقتها على رأس ذلك الموقف.

 

وعباس الذي يبحث عن شيء يأخذه مهما هزل بات مقتنعاً بتقديم هذا التنازل، مع تنازلات أخرى، ليأخذ اسم الدولة ولقب الرئيس.  ونحن نقول للسيد عباس أن القيادة الصهيونية لن تعطي شيئاً يمس وحدة “إسرائيل”، ولن تصعّد الصراع مع اليمين الذي يزداد قوةً في كل انتخابات.

 

إن العمل على تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني يمثل انتكاسةً خطيرة في مجرى القضية، وانتكاسة حتى في مسار المفاوضات العبثية، لأن عباس لن يُقبل منه أن يتمسك بوقف الاستيطان ليفاوض وهو يقدم تنازلات تطبيعية.

 

كيف سيكون موقف عباس عندما يعود خالي الوفاض من محادثاته المباشرة التي ظن فيها أنه سيجبر نتنياهو على تقديم التنازلات؟!  وها هي الأيام تمر ونتنياهو يزداد تصلباً وتعجرفاً وتصميماً على ألا يقدم أي تنازل، حتى لو كان بادرة سلام زائفة.  فكيف سيكون موقف عباس أمام الفلسطينيين والعرب والعالم حين يقدم تنازلاته ولا يُعطى شيئاً؟  لا نعرف!

 

وإلى متى تظل القيادات الفلسطينية التسووية مستهترة بإرادة شعبها ومصرة على ركوب “برزون” التسوية الفاشلة سلفاً، والمهينة سلفاً، إلى متى؟!  لقد قلنا لهم أن العدو الصهيوني لن يعطي دولة، وإذا أعطى، فسيعطي دويلة مقزمة أو بلدية هزيلة، ولقد رد عليّ عرفات حين قلت ذلك في المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر: “هي كرخانة، وأنا عاوزها”.  فيبدو حتى الآن أن العدو الصهيوني لن يعطي حتى كرخانة تسمى دولة… فلماذا تتواصل المفاوضات؟  ولماذا تستمر المراهنة على الموقف الأمريكي؟  وإلى متى؟!  إلى متى تظل القيادة تلعب بالورقة الفلسطينية؟  وإلى متى تهدر الجهود، ويهدر الوقت في ألاعيب فاشلة سلفاً لكل ذي عقل.

 

ونحن إذ نزجي التحية للمثقفين المصريين، نأمل أن يكون موقف كل المثقفين العرب مماثلاً في طول الوطن العربي وعرضه.  أخيراً: ندعو الأحزاب العربية والنقابات للاهتمام بقضية التطبيع قبل أن تقع الجرة وأن تنكسر.  فماذا نقول سوى أن الجزائريين خلال حرب التحرير كانوا يعاقبون حتى من يشتري علبة كبريت من الفرنسيين، وكانت عقوبتهم رادعة: جدع الأنف، وصلم الأذن، الخ… ألخ…