سلسلة التثقيف بالصهيونية / جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية
م.علي حتر
الدرس الأول
الصهيونية
ليس المهم فقط أن تفهم الطرف الآخر من الصراع الذي تخوضه، كما تُقيّمه أنت، لكن من المهم أن تفهم كيف يفهم الطرف الآخر نفسه، لأنه يخوض الصراع على أساس فهمه لنفسه، الذي تنطلق منه محركاته ودوافعه، لا على أساس ما تعتقده أنت، وإن كان يبني معاركه وخططه للصراع معك، آخذا بالاعتبار فهمك..
ونحن إن كنا نعتبر أن اليهود “ليسوا أمة” بالتعريف الكلاسيكي للأمم، التي يلزمها على الأقل:
– التاريخ المشترك، وهو غير موجود لدى اليهود الذين عاشوا على أراضي الأمم ورفضوا الاندماج فيها
– الأرض المشتركة وهي لم تجمعهم حتى اليوم.. رغم تجمع بعضهم في بلادنا
– اللغة والثقافة المشتركة، وهو ما يحاولون خلقه اليوم لبعض الذين تجمعوا في بلادنا منهم..
– السوق الواحد وهو غير موجود لديهم
لكن مع ذلك، فهم يفهمون أنفسهم أنهم “أمة”.. ومن ذلك ينطلقون.. وفهمهم هذا هو التربة التي نمت وتنمو فيها فلسفتهم وقناعاتهم ومشاريعهم..
ولفهمهم وفهم استراتيجياتهم، لا بد من التعامل معهم، ليس على أساس أنهم فعلا أمة، ولكن على أساس أنهم ينطلقون من ذلك، بالإضافة إلى فهمهم لأنفسهم ليس فقط “أنهم أمة” بل “أنهم أمة مميزة عن الآخرين، ولا يمكن أن تقبل التساوي معهم”..
وفهم الصهيونية، ضروري لفهم كل ما يدور في الصراع العربي الأمريكوصهيوني، والصراع اليهودي مع العالم كله..
وهذه الورقة، هي محاولة لتبسيط مسألة الصهيونية لتصبح مفهومة لدى الجميع..
ميز اليهود أنفسهم في الأماكن التي كانوا يعيشون فيها بطريقة أنتجت بينهم وبين المجتمعات التي عاشوا فيها حالات تنافر مستمر وحالات صراع خفي ومعلن، ترجم عمليا إلى عنف أحيانا، وإلى عزل اجتماعي ومؤامرات متبادلة، وأوجه كثيرة من أوجه التصادم الخفي والمعلن المستمر.
اليهود لا يقبلون الاندماج مع الآخرين، منذ مروا في بلادنا التي جاؤوها قبائل رُحَّلا، وخرجوا منها مشردين كما دخلوا، دون أن يتركوا فيها آثارا مثبتة أو أي نوع من الحضارة.. مع التأكيد على أن خروجهم بعد فترة قصيرة من البلاد حدث منذ أقل من ألفي سنة، وهي مدة غير كافية لإخفاء معالم حضارة لو وجدت، خصوصا في زمن مليء بالأحداث مر على هذه المنطقة..
وبسبب:
– رفض اليهود للآخرين من غير اليهود
– وإيمانهم بمقولة شعب الله المختار التي تنتج إحساسا بالتفوق والتميز عن الآخرين
– وشعورهم بالاضطهاد (الذي كان نتاجا طبيعيا لممارساتهم المبنية على قناعاتهم هذه)
– وردود فعل المجتمعات التي عاشوا فيها وميزوا أنفسهم عنها:
كان الغيتو Ghetto
والغيتو هو الحي اليهودي المنعزل عن المجتمع المحيط به.. أي المجتمع اليهودي المصغر الذي كان اليهودي يشعر فيه بالأمان، دون أن يرى نفسه مضطرا للتفاعل مع المجتمع الأكبر، الذي يمثل دولة مشتركة مع الآخرين، وينتج بالتالي حقوقا وواجبات تجاه الذات وتجاه الآخرين. أي أن الغيتو كان يحقق لليهودي القدرة على الانطواء وممارسة حالة اللاانتماء للمجتمع الذي يتبادل معه الاحتقار، وهي حالة كانت متأصلة في اليهودي قبل الصهيونية.. وشرطا من شروط كينونته يهوديا..
وتكون في الذهن الأوروبي، مفهوم “شيلوك البندقية”، الذي يعبر عن نظرة الآخرين في أوروبا، لليهودي المرابي الجشع، والذي لا يتوانى عن قطع لحم الإنسان غير اليهودي من أجل بعض المال، حين تحين الفرصة له. (تعطى هنا فكرة عن مسرحية تاجر البندقية لشيكسبير). وما يحدق في مسرحية تاجر البندقية يتكرر في كتابات التلمود التي تسمح لليهودي أن يؤذي الآخرين عندما يكون واثقا من أن فعله لن يسبب الأذى لليهود، أي تحت غطاء القانون كما حدث في “تاجر البندقية”.
وجاءت بعد ذلك مطاردات محاكم التفتيش في أوروبا، أيام الموت الأسود، حين انتشر الطاعون في أوروبا، ومات الملايين، فاعتقد الأوروبيون أن سببه لعنة حلت عليهم بسبب قبولهم أن يعيش اليهود بينهم، فشنوا على هؤلاء اليهود حملات قتل جماعية. وكان ذلك نتاج التراكمات التي خلفتها مواقف اليهودي الغيتوي ضد هذه من المجتمعات التي سمحت له أن يعيض فيها.
الغيتو Ghetto:
الكلمة تعني بلغة أهل مدينة البندقية (مدينة فينيسيا في إيطاليا)، الخَبَث.
وهي الدليل الحقيقي الأكيد للتنافر بين اليهود ومجتمعاتهم الأوروبية، حيث صاروا يعزلون أنفسهم في أحياء خاصة بهم، تسمى الغيتو، ما زال بعضها قائما حتى اليوم مع اختلاف الجوانب القانونية المتعلقة به.
وكان هناك من يريد أن يتخلص منهم
وكان هناك من يريد أن يستفيد منهم
إنهم حاولوا دائما أن يبقوا كتلة تتعالى على الآخرين،
فنتج ما سمي بالمسألة اليهودية
ونشرت فيها الأبحاث والكتب.
وعكسا لفكرة تشتيتهم القديمة، بدأت فكرة تجميع شراذمهم المنتشرة في العالم، على أرض واحدة، تطفو إلى السطح:
– لدى اليهود أنفسهم.. ليكونوا أمة مواجهة بعد أن سئموا الهروب المستمر في زواريب الغيتوات..
– ولدى الذين يريدون التخلص من اليهود مثل المجتمعات الأوروبية
– ولدى الذين يريدون الاستفادة منهم مثل نابليون وهتلر، ودول وثيقة بانرمان.كامبل وحاليا أمريكا وروسيا..
فكانت الصهيونية..
الصهيونية هي الحل الذي يشكل امتدادا للغيتو، لكن مع استبداله بدولة..
ففي حين كان الغيتو هو الهروب من المواجهة واللجوء إلى الصراع الخفي التآمري مع غير اليهود، من خلال الربا، والسيطرة على الأموال، والهروب إلى حالة اللاانتماء للمجتمع، جاءت الصهيونية لتكون النقلة اليهودية العملية إلى العلن، فتجعل منهم أمة مثل الأمم، فيها انتماء للمجتمع اليهودي، بدل المجتمعات الأوروبية، وقادرة على خوض كل أنواع المواجهة مع الآخرين، سرا وعلنا، في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها. وقادرة على اللعب بالاقتصاد العالمي وابتزازه، كما تفعل مع ألمانيا التي تأخذ منها الأموال الطائلة بحجة ذبح هتلر لليهود، وبالإضافة إلى التآمر الخفي، فهي قادرة على التآمر المحمي بالقوة،
وقد ترجم الانتقال إلى المواجهة عمليا بالخطوات التالية:
– تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية.
– العمل على إنشاء إسرائيل، كدولة لليهود بدل الغيتو،
– العمل على تدجين الصهيونية المسيحية الأمريكية.. لتكون السند القوي الفعلي لهذه الدولة.
وتمكن اليهود فعلا من اختراق وعي ملايين المسيحيين في أمريكا، لتتشكل طوائف المتجددين، والصهاينة المسيحيين، والذين يدعمون اليهود من أجل التواجد في إسرائيل ليتحولوا فيها إلى مسيحيين تمهيدا لعودة المسيح الموجودة في العقيدة المسيحية.. والتي توازيها فكرة مجيء المسيح المخلص في العقيدة اليهودية. (المجيء لأول مرة المتنبأ به في التوراة).
وفي مراحل متأخرة بعد الحرب العالمية الثانية، نشأت فئات أوروبية تشعر بعقدة الذنب تجاه اليهود بعد أن نجح هؤلاء في ترويج الدعاية حول المحرقة المزعومة (الهولوكوست) التي اتهموا الألمان فيها بقتل عدة ملايين منهم.
وصارت فكرة تجميع اليهود وتوطينهم في دولة خاصة بهم، تشغل اليهود والمجتمعات الأوروبية فترة طويلة، وكانت الأماكن المقترحة لتلك العملية كثيرة جدا..
مواصفات الدولة المطلوبة:
من مواصفات الدولة اليهودية المطلوب إنشاؤها، أنها يجب أن تكون:
1. يهودية خالصة.. لضمان خلوها من الأخطار الداخلية، وهو ما سيظهر في القوانين الإسرائيلية الجديدة التي تجهز للصدور هذه الأيام (2010)، والتي تنص على حلف يمين الولاء للدولة “كدولة يهودية ديموقراطية”.. وليس “كدولة فقط“
-
2. قوية عسكريا.. وأمنيا..
-
3. قادرة على العمل الخفي لاختراق القيادات في المجتمعات الأخرى
4. قادرة على خوض الصراع الثقافي والإعلامي مع الآخرين، للتمكن من تشويه التاريخ والحقائق ووعي المجتمعات وإرباكها.
-
5. كذلك يجب أن تكون مضمونة الديمومة.. بالسيطرة على الأرض والماء
6. تملك الأمن الاقتصادي الذي لا يعني فقط القدرة على الصناعة والزراعة، بل يعني ضمان السوق.. والوصول إليه.. وهو ما تسعى له إسرائيل بالقتال من أجل فرض التطبيع بأشكاله على عالمنا العربي..
-
7. ذات مساحة تكفي لتنفيذ استراتيجياتها وبرامجها المستقبلية:
-
الديموغرافية (تجميع أكبر عدد من اليهود في دولة واحدة)
-
التمدد فوق مصادر المياه اللازمة (الجولان والليطاني والأغوار والديسي).
-
ضمان السيطرة على المصادر اللازمة للحياة مثل الغاز والنفط.. وهو ما يتحقق بالأمور التالية:
– السيطرة المباشرة وهو ما تحاول القيام به اليوم للسيطرة على غاز غزة، وعلى النفط والغاز المكتشفين أمام ساحل لبنان
– السيطرة على الأنظمة والحكومات ومراكز صنع القرار وضمان وجود الحلفاء في الدول العربية وغيرها، التي تنتج مثل هذه المواد، أي الغاز والنفط
-
مضمونة الأمن الغذائي، بالزراعة، وهو ما يعني السيطرة على أراضي الجولان والأغوار، ولاحقا سيناء باستصلاح أراضيها.
-
مضمونة الأمن العسكري وهو ما يعني الحاجة إلى مناطق عازلة منزوعة السلاح عن الجيوش المحيطة، مثل سيناء والجولان وشرق الأردن، وهو ما يقوله نتنياهو بصراحة في كتابه “مكان تحت الشمس“
-
1. كما أنها يجب أن تكون ديموقراطية في كل ما يتعلق باليهود.. فقط..
-
2. ومفتوحة لكل يهود العالم
وهذه الصفات كلها ضرورية ما دامت هذه الدولة بديلا للغيتو.. وانتقالا للمواجهة..
وعلى هذه الصفات وانطلاقا منها، يجب أن يتم تقييم أي من الحلول الوهمية المطروحة في المفاوضات والمشاريع الدولية المختلفة..
مصطلح صهيونية
المصطلح له علاقة بالفكرة، لكنه مجرد تسمية، والفكرة تبقى قائمة حتى لو تغير المصطلح..
المفكر والناشط اليهودي ناثان بيرنبام Nathan Birnbaum هو أول من أوجد واستعمل كلمة صهيونية عام 1890م، وهو أسترالي، مولود في فيننا (النمسا) من عائلة يهودية من أوروبا الشرقية، وانتخب أمينا عاما للمنظمة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، لكنه عاد وترك المنظمة عام 1899
والصهيونية كمفهوم: هي مسألة حل لمشكلة اليهود في وطن، كما أوضحنا أعلاه، مع إبقائهم يهودا بكل صفات اليهودية التي كانوا يتصفون بها في الغيتو، عدا صفة الانعزال الضعيف، التي أرادوا استبدالها بالانخراط الهجومي، والانعزال المتميز المحمي بالقوة..
وبالنسبة لهم فإن أفضل أرض تصلح لتكون لهم وطنا: هي صهيون.. فلسطين. لعلاقة صهيون بالعقيدة.. مع أن العقيدة ليست هي السبب الوحيد لإنشاء الصهيونية أو إنتاج إسرائيل.. بل سنرى أن العقيدة في كثير من الأحيان، غير موجودة بتاتا في فكر كبار قادتها ومفكريها من الذين ساهموا مساهمة رئيسية في إنشاء الكيان الصهيوني.. مثل هرتزل وبن غوريون..
أي أن الصهيونية هي إعادة إنتاج لليهودية ليس بوصفها عقيدة دينية، بل بوصفها تركيبة اجتماعية وفكرية وانعزالية وأنانية، في مشروع وطن قومي لهؤلاء اليهود.. مع كل ما يلزم لتحقيق الغاية، من قوة وعدوان وتمييز وتشتيت وقتل وإبادة للآخرين.. وهو ما يمارسون اليوم.. في بلادنا التي اختاروها وأخذوا بعضها حتى اليوم، ويخططون لأخذ أجزاء أخرى في الوقت الذي يناسبهم..
عبر (بن غوريون) غير المؤمن، عن ماهية الصهيونية فقال: “إن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم مستقل عن الزمان والمكان.. وقديم قدم الشعب اليهودي.. هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة “.. وهو لا يؤمن بالله، مصدر الوعد، أي يؤمن بالوعد دون أن يؤمن بالواعد.. إنها من المسائل الشائكة في فهم اليهودية..
ومثلما توفَّر الوطن القومي لجميع الأمم الأخرى، تحاول المخيّلة اليهودية، بالصهيونية، أن تنتج في العقل اليهودي ومنه، فكرة تاريخية عن وطن خاص، فيحققون بذلك:
-
برهان ما يقولون عن أنفسهم حول أنهم أمة..
-
الحصول على وطن خاص بهم.. غير خاضع مثل الغيتو، لتأثير المجتمعات الأخرى
أهم ما يميز الصهيونية عن الحركات القومية الأخرى، هو أنها تسعى لحل المسألة اليهودية وإيجاد وطن لليهود خارج أوطانهم.. بخلاف الحركات الأخرى التي كانت تسعى للتحرر على أرضها وخلق قومية جمعية تعمل على تأكيد مفهوم أمة لها تاريخها ولغتها وفكرها..
الحركة الصهيونية:
الحركة الصهيونية اعتمدت في مسيرتها أو تكونت على الرابط الديني والقانون الديني اليهودي ووحدة الخبرة اليهودية المشتركة في جميع أنحاء العالم.. وهي خبرة تاريخية غنية بمعنى التمايز والتفرد عن عالم الأغيار.. ويقول اليهود عنها: هذه الخبرة ما هي إلا خبرة أناس عاشوا في عالم الغير دون أن يندمجوا فيه، تآمروا عليه وميزوا أنفسهم فيه وابتزوه حيثما استطاعوا، فتنافر معهم، ورد على تعاليهم ومؤامراتهم بالتصادم الدموي معهم،
ولو قبل اليهود أن يعتبروا أنفسهم كطوائف دينية مثل الطوائف الأخرى.. لاندمجوا في مجتمعاتهم!!
لكنهم أصروا دائما أن يكونوا هؤلاء التوراتيين المختارين فوق الآخرين، والذين يحق لهم أن يقتلوا الإنسان والبهيم، وأن يساوا بين الإنسان غير اليهودي والبهيم، وأن يقلعوا الشجر.. بأوامر إلهية مصنوعة في مخيلتهم..
وفكرة تجميع اليهود في مكان واحد وإنشاء دولة لهم، أو عملية دعم العاملين على إنجاز هذه الفكرة، تسمى صهيونية، عندما تدعو إلى تجميع اليهود في بلادنا، قرب جبل صهيون الملاصق لأسوار القدس
ويعتقد اليهود المؤمنون، أن ألله يسكن في جبل صهيون، كما كتب حاخاماتهم في التوراة، ولهذا يعتبرونه المكان الأفضل، لإقامة كيان لهم هناك، حيث يعملون على أن يتحولوا إلى أمة، ويحولوا بلادنا ومن يستعبدون من شعبنا فيها، إلى وطن قومي ومجال حيوي وخدم لهذه الأمة المصطنعة، في دولة مصطنعة مضمونة الديمومة والقوة..
الأسس النظرية والعقائدية للصهيونية والدولة المراد إنشاؤها (إسرائيل حاليا):
– تاريخ اليهود والثقافة اليهودية والإحساس بالكينونة اليهودية المميزة
– الدين اليهودي..
– اعتبار الدين مع التاريخ اليهودي كافيين لتشكيل أمة يهودية، بغض النظر عن أصول ومنابت مكونات الأمة..
– فكرة شعب الله المختار، وهي الفكرة التي تجعلهم يؤمنون بتميّزهم عن كل شعوب الأرض، التي يسمونها الغوييم، والتي يعتقدون أن الله خلقها لخدمتهم.. وسوف نشرح ذلك بتوسع عند الحديث عن التلمود في محاضرة خاصة.
– فكرة أن الله يسكن في صهيون: (أخبار 16: 9) “رنموا للرب الساكن في صهيون”..
– فكرة أن الشريعة اليهودية تخرج من صهيون « فيعلمنا من طرقه ونسلك فى سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب » … ” ميخا 4 : 2 “
– فكرة أن اليهود الحاليين هم الخلفة الطبيعية لليهود السابقين، حتى لو اختلطت أعراقهم بين بولندي وحبشي ونمساوي وصيني وروسي..
– فكرة أرض الميعاد التي تجعلهم يعتقدون أن الأرض التي اغتصبوا بعضها ويخططون لاغتصاب بعضها الآخر (الذي لم يغتصبوه بعد)، ملْكٌ لهم بفضل وعد إلهي بإعطائها لهم.
– لا بد من التوضيح هنا، أن الأرض المقصودة بالوطن القومي التاريخي ليست فلسطين بمفاهيم سايكس بيكو وما يسمى بحدود 1967، بل هي الأرض التي يُعرِّفها اليهود في التوراة، على أنها تشكل الوطن التاريخي لليهود.. التي تمتد من النيل إلى الفرات، كما يضم التوراة إليها أرض باشان، الواقعة بين السويداء في شمال شرق الجولان وحتى جلعاد من جبال البلقاء.. وتشمل كامل هضبة الجولان.. وهي ترد في أكثر من 62 آية في التوراة على أساس أن الله أعطاها لليهود وليس “وعدهم بها فقط”..
لماذا بلادنا:
هنا لا بد من التنبيه إلى أنه رغم ادعاءات اليهود بانطلاقهم من الدين والعقيدة اليهودية لتحقيق برامجهم، إلا أن معظم قادتهم كانوا ملحدين مثل ثيودور هرتزل مؤسس إسرائيل ودافيد بن غوريون الذي يسمونه مؤسس إسرائيل الحديثة، وسنبين ذلك لاحقا.
ولا ترفض أو تناقش فكرة الصهيونية، كل ما ينتج عن إقامة هذا الكيان من جرائم وتنكيل بشعب المنطقة وتفتيت وإضعاف واستعباد ضمن حدود ما يسميه أرض الميعاد، وحدود ما يعتقدون أنه لازم لضمان ديمومتهم وسيطرتهم على الشعب والأرض والمياه وبقية الموارد..
الغرب والدولة اليهودية
موافقة الغرب الرسمي (أي حكومات الدول الغربية) على إنشاء إسرائيل في بلادنا، عملية سابقة لوعد بلفور..
وهي موافقة أقرتها لجنة بانرمان.كامبل عام 1907، حين قررت سبع دول استعمارية هي بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال واسبانيا وإيطاليا، أن مصالحها الاستعمارية في المنطقة تستلزم إقامة دولة غريبة، تمنع شعبها من الوحدة والتطور.. وعرض الصهاينة على هذه الدول إنشاء دولتهم كحل للمشكلة لتكون هي الدولة الغريبة التي ستؤدي الدور، وعلى أساس ذلك، وُكلت بريطانيا بتنفيذ العملية، فكان وعد بلفور.. وكانت “إسرائيل”..
وهذا يعني أن الدعم الغربي لإنشاء الكيان الصهيوني ليس موجها ضد أهلنا في فلسطين فقط، بل ضد أهل المنطقة، وهذا يعني أن أهل المنطقة جميعا مسؤولون عن التصدي له.
الصهيونة اليهودية وغير اليهودية:
الصهيونية اليهودية، هي الصهيونية التي يشكل اليهود عنصرها البشري، الذي يؤمن بما ذُكر أعلاه.
لكن هناك صهيونية غير يهودية، وهي الفكرة التي يعتنقها غير اليهود من كل العقائد والقوميات، بضرورة مساعدة اليهود على تحقيق هدفهم المذكور، لأسباب مختلفة كما وضح سابقا.. ويشكل هؤلاء من غير اليهود عنصرها البشري، من مسيحيين ومسلمين وعرب وغربيين ومن مناطق مختلفة من العالم، إلخ..
ولا بد من الإشارة إلى أنه ومنذ البداية، كانت هناك دعوات ومشاريع لتجميع اليهود في بلادنا، مثل دعوة نابليون وبعض الفلاسفة ورجال الدين المسيحي الغربيين في هولندا وبريطانيا وألمانيا.
ولا ننسى أن اليهود أنفسهم، يقولون ويعلمون أطفالهم، في التوراة، مثلا في المزمور 137:(5و6): شلت يميني إن نسيتك يا أورشليم، وليلتصق لساني بسقف حلقي ان لم اذكرك، إن لم افضل اورشليم على اعظم فرحي. رغم أنهم كانوا مجرد عابرين من بلادنا.
هذه الفكرة، توضح ما قاله كثير من اليهود، عن قبولهم المرحلي أحيانا بإنشاء دولة لهم خارج فلسطين، أنه قبول مرحلي تمهيدا للعودة دائما إلى فكرة إقامة الدولة في فلسطين..!! عندما يكون الظرف مناسبا. (وهو ما قاله هرتزل عن الموزامبيق التي أراد أن يأخذها من البرتغال ليقايضها بعد ذلك مع بريطانيا ويأخذ سيناء بدلا عنها
فكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض:
حتى يتمكنوا من كسب عطف الكثيرين وتأييدهم، بالإضافة إلى مسألة المصالح والخدمات التي وعدوا الغرب بتقديمها، بالإضافة إلى تشجيع الآخرين بإيجاد مبرر لهم ليوافقوا على إعطاء أرض بور لمن يحتاجها، حين كانوا يعززون فكرة الحصول على فلسطين بالتحديد، بمقولة: إعطاء أرض بلا شعب إلى شعب بلا أرض.
أي أن فلسطين تفتقر إلى السكان، واليهود يفتقرون إلى الأرض، ومن العدل إعطاؤها لهم..
وبعد أن تبين للعالم أن هناك شعبا في البلاد، صار مفكرو الصهاينة يبررون القول السابق، ليبرروا كذبتهم، بالقول إنهم لم يكونوا يقصدون عدم وجود سكان في المنطقة، لكنهم يقصدون عدم وجود أمة متشكلة، تحسن الاستفادة من الأرض المتروكة بلا عمل.. حيث بدؤوا ينشرون فكرة أنه بما أن الفلسطينيين جزء من الأمة العربية التي تحيط يهم وليس لهم دولة، فعليهم أن يندمجوا في هذه الأمة ويعيشوا على أرضها، وبتحلوا عن فلسطين. وهم ينشرون هذه الفكرة حتى اليوم..
وفكرة عجز العرب عن الاستفادة من أرضهم ومواردهم، يقولونها اليوم عن لبنان، فهو لا يستطيع في نظرهم الاستفادة من الليطاني ولهذا يجب أن يحولوا هذا النهر ليستفيد اليهود منه في الجليل والأراضي المحتلة!!
الاستعمار الإحلالي
الاستعمار الذي يتضمن احتلال الأرض عدة أنواع:
-
احتلال عسكري مؤقت، تستفيد الدول الاستعمارية فيه من مزايا موقع الدول المغلوبة على أمرها، وتنهب ثروات الدول التي دخلت إليها بقواتها دون أن تحضر معها سكان مدنيين، مثل استعمار البريطانيين للهند
-
احتلال عسكري مع الضم الدائم للأرض والشعب مثل خطة فرنسا للجزائر عندما احتلتها واعتبرتها امتدادا لفرنسا من تحت البحر، ومثل احتلال اسبانيا لسبتة ومليلة وتركيا للإسكندرون إلخ..
-
احتلال عسكري مع قتل السكان الأصليين أو إبادتهم كما في أمريكا الشمالية وأستراليا
-
احتلال مع إقامة مجتمع مشترك بين المحتلين والسكان الأصليين مثل احتلال الإسبان والبرتغاليين لأمريكا اللاتينية
-
إحتلال مع استعباد والتمييز ضد السكان الأصليين مثل جنوب إفريقيا قبل إسقاط النظام العنصري فيها.
-
احتلال عسكري مع طرد السكان الأصليين والحلول مكانهم، وهو يسمى استعمار إحلالي مثل حالة فلسطين..
الفكرة الرئيسية في الصهيونية هي تجميع اليهود في مكان واحد بغض النظر عن هذا المكان..
لكن الأولوية هي في فلسطين..
بعضهم يعتبر اختيار فلسطين مسألة عقائدية، وآخرون يعتبرونها أكثر فعالية في تشجيع اليهود على الهجرة إليها.. والغرب يعتبرها المكان المناسب لتمزيق المنطقة ومنع تطورها ووحدتها..
ولهذا نجد أن المناطق المقترحة من اليهود أنفسهم لإقامة الدولة، تعد بالعشرات..
بعض هذه المقترحات كان يصدر عن أفراد وجهات ضعيفة، فيختفي بسرعة وبعضها كان يصدر عن جهات قوية لكن بدون متابعة،
وبعضها كان يجد متابعة تعطيه أهمية خاصة
المناطق التي اقترحت لتجميع اليهود:
1. مشروع نونيزا فونسيكا عام 1625 لتأسيس مستعمرة يهودية في كوراساو (جزيرة هولندية في البحر الكاريبي بين الأمريكتين)
2. وافق مجلس هولندا على المشروع السابق وتم توطين اليهود في سورينام (شمال البرازيل) القريبة منها في إطار مماثل.
3. عام 1659 منحت شركة الهند الغربية (الفرنسية) تصريحاً لديفيد ناسسي لتأسيس مستعمرة يهودية في كايين (غوايانا الفرنسية، شمال ابرازيل أيضا)
-
4. عام 1790 اقترح كاتب بولندي توطين اليهود في أوكرانيا.
-
5. في نهاية القرن الثامن اقترحت اركنساو أو اوريغون غرب أمريكا
-
6. عام 1797 اقترح اليهودي الأميركي مانويل نوح إقامة دولة في جزيرة ايسلندا
-
7. عام 1860 دعا فرنسيان إلى بناء دولة يهودية تمتد من السويس إلى أزمير
8. عام 1878 أنشئت “لجنة استعمار قبرص”. وحول ذلك كتب هرتزل في يومياته “سنحتشد في قبرص وننطلق منها في يوم من الأيام إلى أرض إسرائيل لكي نستولي عليها عنوة، كما أخذت منا في قديم الزمان“.
9. عام 1889 بدأ الممول اليهودي الألماني بول فريدمان اجراءات لتوطين اليهود بالقوة في منطقة مَدْيَن شمال غربي السعودية المتاخمة للعقبة الأردنية
-
10. عام 1890 اقترحت منطقة من الأرجنتين، مساحتها 2.5 مليون كم مربع.
-
11. عام 1891 اقترح توطين يهود أوروبا الشرقية في منطقة سهل البقاع اللبناني.
-
12. عام 1892 أسست الجمعية اليهودية للاستيطان في كندا
-
13. عام 1893 قاموا بمحاولة لشراء مساحات من الأراضي في منطقة حوران السورية للانطلاق منها.
-
14. عام أيضا 1893 طلبت “جمعية أحباء صهيون” من السلطان عبد الحميد توطين اليهود شرق الأردن.
-
15. عام 1902 اقترح هرتزل على وزير المستعمرات البريطاني تشمبرلين إنشاء مستعمرة يهودية في العريش وسيناء. وقال له: “سيكون لإنكلترا عشرة ملايين عميل من أجل عظمتها وسيطرتها“.
-
16. عام 1903 أجرى هرتزل اتصالات مع فرانتز فيليبسون, اليهودي البلجيكي الذي كان يمتلك احتكارات كبيرة في الكونغو، لتأييد فكرة إقامة دولة يهودية في الكونغو (التي كانت محتلة من بلجيكا).
-
17. عام 1903 و1904 حاول هرتزل إقناع السلطان العثماني باستيطان اليهود في جنوب العراق.
-
18. عام 1903 اقترحت الحكومة البريطانية مشروع إنشاء مقاطعة صهيونية في شرق كينيا وهو المشروع الذي عرف باسم “مشروع أوغندا“.
-
19. عام 1903 طلب هرتزل من النمسا التوسط لدى البرتغال للسماح بتوطين اليهود في موزامبيق. وكتب هرتزل في مذكراته حول ذلك: “سأعمل كل ما في وسعي للحصول على هذه الأرض الخاملة من الحكومة البرتغالية التي تعاني ضائقة مالية كبيرة… وهذا يهيئ لنا المجال للحصول من الحكومة البريطانية لقاء تنازل لها في ما بعد عن موزامبيق، على شبه جزيرة سيناء بأكملها مع مياه النيل صيفاً وشتاء وربما على قبرص معها. كل هذا في مقابل لا شيء“.
-
20. اقتراح هرتزل على إيطاليا عام 1904 هجرة اليهود نحو طرابلس الغرب ضمن قوانين إيطاليا وأنظمتها.
-
21. عام 1904 اشترت الجمعية اليهودية للاستيطان أراضي في مقاطعة ريو غراندي سول البرازيلية حيث تم تأسيس مستوطنة مساحتها 93 ألف هكتار.
-
22. عام 1905 طلب ديفيز تريتش من السلطان العثماني السماح لليهود بالاستيطان في أضنه.
-
23. ثم حاولوا الحصول على جزيرة رودس اليونانية.
-
24. عام 1912 اقترحوا على الحكومة البرتغالية توطين اليهود في مستعمرة انغولا
-
25. عشية صدور وعد بلفور, تقدم طبيب يهودي روسي اسمه رتشتين في الثاني من أيلول 1917 باقتراح إلى فرنسا لإقامة دولة يهودية في الجزء الشمالي من منطقة الخليج العربي تشمل البحرين والاحساء
-
26. حاولوا إقناع أسترالية بإقامة مستعمرة يهودية تتمتع بالحكم الذاتي في شمال غربي استراليا.
-
27. وهناك معلومات عن محاولات للاستيطان اليهودي في إكوادور وبيرو وغينيا الجديدة ومدغشقر.
الخلاصــــــــــــــة:
الصهيونية فكر يهودي تطبيقي لتجميع اليهود في مكان واحد ليكونوا فيه أقوياء في مواجهة العالم الغربي الذي تعالوا عليه وحاولوا استغلاله بالسيطرة على مراكز الأموال والقرار فيه، فتصادم معهم، لكنهم أقنعوه باستعدادهم أن يخدموه في منطقتنا، فساعدهم لإنشاء دولتهم القوية والمضمونة الديمومة فيها.
وهم من أجل هذا الهدف، ولضمان ديمومتهم، مستعدون لقتل الآخرين وتشريدهم، تحت غطاء وعد إلهي كتبوه لأنفسهم بأنفسهم، بأن يكونوا فوق الأمم وأن يأخذوا أرض الآخرين.
واختيارهم فلسطين مرتبط بقناعات دينية للمؤمنين منهم، أن الله يسكن فيها، وأن شريعتهم صدرت منها وأنه أعطاهم إياها.
والقوة تشكل لديهم الحل، حيث يجب، لأن لا قيمة للآخرين أمام الوعد الإلهي.
وسنبين في الدروس القادمة كيف أن التمسك بالدين هو فقط من أجل تحقيق الأهداف على الأرض، حيث أن معظم قادتهم أعلنوا إلحادهم في أكثر من مناسبة.